(ألا لا يجهلن أحد علينا / فنجهل فوق جهل الجاهلين) بيت لشاعر قديم أراد أن يباهى القبائل الأخرى بقومه المعروفين بالشدة، أما الجهل فى اللغة فبمعنى: التهور والحمق، والقصد بهذا البيت: أنه إذا تهور أو تحامق أحد علينا، فليعرف أننا أكثر منه حمقاً وتهوراً.
ظل هذا البيت من الشعر يتقافز من ذاكرتى كلما قرأت أو سمعت تصريحاً لقيادات الإخوان، تلك الأقوال التى تجافى المنطق والعقل، وتعلو على القدرة والإمكانية، فلا يمكن -مثلاً- لشخص يرتعد خوفاً وارتباكاً أن يتقمص دور الطاغية، ولا يجدى لفأر مذعور أن يلعب دور الطاووس، ولا يحمل السيوف والسنج والخرطوش إلا من أصبح إفراز هرمون «الأدرينالين» لديه قد بلغ ذروته فى الجسد.
فإذا استعرضنا تصريحات هؤلاء الحمقى خلال هذا الأسبوع، سنكتشف حالة الفصام النفسى والهستريا العقلية ومنها أن (التصويت بالرفض سيجر البلد إلى حرب أهلية وبحور من الدماء)، وينسى صاحب هذا التصريح الخطير أن ضابط أمن دولة بصحبة بعض الأمناء والمخبرين قد اقتادوا جميع أعضاء مكتب الإرشاد دفعة واحدة إلى الاعتقال دون أى مقاومة تذكر، وذلك فى التسعينات، ولم نر قطرة واحدة من الدماء، ورغم أن الجماعة تأسست على الإيمان بالعنف كجزء من العقيدة بحسب تعريف المرشد الأول حسن البنا أن (الإسلام مصحف وسيف) فإنهم الآن -وبعد أن وصلوا للسلطة- أضاعوا المصحف واكتفوا بالسيف الذى أشرعوه فوق رقاب الشعب الأعزل والمعارضين السلميين، والغريب أنهم يفعلون ذلك هم وأولياؤهم بعد أن ساهموا فى تأمين وسلامة دولة الكيان الإسرائيلى، ودخلوا طوعاً ومجاناً للحلف الأمريكى فى مواجهة إيران وسوريا، وفرّطوا فى الأمن القومى لمصر، بتحويل سيناء إلى بؤرة صراع يقودها إرهاب يتواصل مع الساكنين فى قصر الاتحادية!! وتنازلوا بطيب خاطر عن دماء الشهداء الستة عشر من جنودنا البواسل على الحدود.
ثم بعد ذلك ورغم كل ذلك يخرج علينا مرشد الجهل (والجهل كما قلنا بمعنى التهور) بتصريح كارتونى يهين فيه الجيش المصرى وقادته قائلاً بالحرف الواحد: (إن جنود مصر طيِّعون، لكنهم يحتاجون إلى قيادة رشيدة توعيهم، بعد أن تولى أمرهم قيادات فاسدة)!!
ونسأل الأخ المرشد الذى يلقبه البعض برئيس الرئيس: ماذا تقصد بالجنود الطيِّعين؟ هل تتصور -مثلاً- أنهم كجنودك يفعلون ما يؤمرون دون مناقشة أو اعتراض؟ ربما لا تعلم سيادتك أن (التظلم) يمثل أحد قواعد التربية العسكرية وهو متاح لكل الرتب الأدنى فى مقابل أصحاب الرتب الأعلى، عبر قانون لا يتخطاه أحد، ناهيك عن أنه لا يوجد قائد يأمر جنوده بالاعتداء أو الظلم أو التزوير، ولا يحرضهم على قتال شوارع، فالأمر مختلف، ويستعصى على فهمكم المحظور فى المحظورة.
يا أخى افرض أنهم طيِّعون وتربوا على الطاعة، فما علاقة ذلك بحاجتهم إلى قيادة رشيدة (من الإرشاد) لكى توعيهم؟ هذا هو فهمك للقيادة الرشيدة التى تأمر فتطاع بلا قانون ولا ضابط ولا رابط، بل لمجرد الطاعة العمياء، ثم تبرر مقدمتك الإرشادية الجاهلة بخاتمة أكثر جهلاً، فتتهم قياداتهم بالفساد!
يعنى الخلاصة يا رئيس الرئيس أنك تريد قائداً إخوانياً لهؤلاء الجنود المطيعين، أو بوضوح أشد أن سيادتك تريد أخونة الجيش، وتحويله إلى جهاز خاص فى قبضة الجماعة.. ولا أريد أن استطرد فى المعنى باستعراض الفرق بين (مطيع) و(طيِّع)..
وأؤكد لك يا مرشد المقطم أنك -وبكل يقين- لا تعرف شيئاً عن الجيش المصرى، وبالطبع لم تسمع خلال خبرتك البيطرية الطويلة بالمؤرخ والمفكر (أرنولد توينبى) الذى وصف جيش مصر بالحصن الحصين لجنوب المتوسط، وبالتأكيد لم تقرأ شيئاً لابن إياس والمقريزى والهمذانى الذين رأوا فى الجيش المصرى زاداً للحضارة وليس مجرد قوات حربية لرد الطامعين والغزاة، وأظنك تجهل أن البداية الحقيقية للجيش النظامى المصرى بدأت عام (3200 قبل الميلاد) أى منذ أكثر من خمسة آلاف عام، وأنه فى العصر البطلمى كان أقوى جيوش العالم، وأن دوره منذ معركة قادش حتى نصر أكتوبر مروراً بدحر الصليبيين والتتار كان دائم الانحياز لخيارات مصر فى الاستقلال، والانتماء لأغلبية الشعبية التى ساهمت فى بنائه وتأسيسه ولقياداته الوطنية فى العصر الحديث (أحمد عرابى والبارودى وعبدالقادر حلمى وعمر لطفى وصليب سامى وعبدالمنعم رياض والشاذلى وأحمد بدوى وعزيز غالى)..
أستشهد بالتاريخ فى هذا المجال لأنى أعرف أنك تتجاهل أحاديث الرسول وآيات القرآن فى ذكر مصر وأجنادها، لأنكم ترون فى الدين وظيفة محددة وهى نصرة الجماعة ولو على حساب الوطن، وتميزون أعضاءكم ولو فوق رقاب المجتمع.
لكن دعنى أفترض حسن نواياك ولو بنسبة واحد فى الألف، فتخيل معى أن قيادة الجيش أصبحت فى يد مكتب إرشادكم، سواء المقر الرئيسى فى المقطم أو الفرعى فى الاتحادية، ثم اتخذ قائدكم العسكرى قراراً أو أصدر أمراً ثم تراجع عنه كما تفعلون، فماذا سيكون الوضع؟!
يا أيها المرشد، كف لسانك عن حرمة الوطن، فقواتنا المسلحة خارج حسابات الاستقطاب، لأن دورها الرسالى أكبر من حجم أى تفكير محظور بقوة القانون وإرادة المجتمع.
يا أيها المرشد، لا تنس أنك مرشد الإخوان لا مرشد مصر، وأن جيشك طيِّع، وجيش مصر عنيد، فلا تجهل علينا حتى لا نضطر أن نجهل فوق جهل الجاهلين.