ما حدث للشيخ المحلاوى من حصار فى «القائد إبراهيم» موقف مؤسف ومشين لم يراعِ مرتكبوه مكانة الشيخ ودوره الوطنى، كما أنه يتنافى مع الأخلاق التى توجب احترام سن الرجل، كما أن فيه إساءة لبيوت الله.
والإساءة للمساجد أمر ينفر منه كل ذى فطرة سليمة، ولكن حصر الإساءة للمساجد فى صورة واحدة والتغاضى عن باقى الصور والأشكال هو فى حد ذاته إساءة للمساجد.
الإساءة للمساجد حدثت برعاية الإسلاميين ومباركتهم عندما تحول منبر رسول الله إلى دعاية سياسية رخيصة، ولم تختلف المنابر عن برامج «التوك شو»، حيث عرض أسبوعى لقاموس مشين من أقذع الألفاظ والتهم والبذاءات التى يوجهها بعض الخطباء المؤدلجون لمن يختلف معهم سياسيا، تحت زعم أنهم يدافعون عن شرع الله، وقال الإمام مالك: «إذا رأيتم الرجل يدافع عن دين الله بالسب والقذف، فاعلموا أنه معلول النية».
إن عددا من الأئمة يتم استخدامهم ليحولوا منابرهم إلى وقود للمعارك السياسية، فى الوقت الذى يكون للكبار حسابات سياسية خاصة، وما حدث فى احتفال السفارة السعودية بيومها الوطنى 23/9/2012 خير شاهد، حيث وقف مرشد الإخوان يمازح عادل إمام ورجاء الجداوى، ووقف مع مجموعة من سيدات المجتمع فى حوار لطيف ومتسامح جدا، فلما وقع الاختلاف أعطى الضوء الأخضر للمنابر لوصف هؤلاء بالدعارة والفسق.
وحين أيدت آثار الحكيم (المعروفة بالاحترام) أبوالفتوح فى حملته الانتخابية قام خطباء على المنابر يفسرون ذلك بأنه تأييد من أهل الفسق والفجور والدعارة، فلما جاءت الإعادة بين مرسى وشفيق قامت جيهان فاضل (المعروفة بتجاوزاتها فى أفلامها) بتأييد مرسى، فقام نفس الخطباء يفسرون ذلك بأنه إجماع وتوافق من كل فئات المجتمع على قبول مرشح الإخوان! أليس فى ذلك إساءة للمساجد؟!
أزيدكم من الشعر بيتاً بأمثلة أخرى من كلام المنابر: «الذى يؤيد شفيق كلب»، «مرسى اقتدى بالرسول عندما جمع السلطات الثلاث»، «المصوتون بـ(لا) أعداء الإسلام»، «الكافر حمضين (بالضاد)، والعميل البرادعى، والفاسق حمزاوى أخطر على الإسلام من الصهاينة»، «ختاماً للخطبة ندعو الله أن يهتك عرض المعارضين الخارجين على مرسى كجبهة الإنقاذ والإعلاميين، وأن يفضح نساءهم، وبناتهم، وييتم أطفالهم».. أليس فى هذا وغيره إساءة للمساجد؟!
إن استخدام المساجد للدعاية السياسية والحزبية بحجة عدم فصل الدين عن السياسة فيه خداع وتدليس، إذ لا يقبل أن ينعزل الإمام عن الواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى، لكن فرق بين هذا وبين أن يتخذ شيخٌ المنبرَ للتعبير عن انتمائه الحزبى وآرائه السياسية فيرسخ للفتنة، ويزيد من التنازع، ويغذى الاقتتال بين فئات المجتمع، وفرقٌ بين فصل الدين عن السياسة وفصل الدعوة عن الحزبية.
فالسياسة بمعناها الحزبى الضيق يجب أن تفصل عن الدين تماما، لأنها محكومة بالمصلحة والملاءمة الوقتية للسياسيين، وأما الدين فمنضبط بالوحى المعصوم، والمساجد ملك للجميع. وأما السياسة العامة، بمعنى رعاية مصالح الأمة، ففصلها عن الدين مستحيل نظرياً وعملياً، ولا يقول به عاقل.
إن دعوة الناس فى المساجد لمرشح أو تيار أو تبنى موقف سياسى معين أمر منبوذ، وفيه إساءة بالغة للمساجد. وأما دعوة الناس للسياسة العامة التى منها الحث على قيمة الصدق والمحبة، والتسامح، وزيادة الإنتاج، وقبول الآخر، ومسئولية الكلمة، ودقة نقلها، وقيمة الإتقان، والمحافظة على المواعيد، وحقن الدماء، وتغليب فضائل النفس على رذائلها، واحترام القانون والمؤسسات، وفتح أبواب الأمل للناس، وتغليب العام على الخاص، وعدم نشر الإشاعات... إلخ، هذا كله من السياسة العامة التى لا تُفصل عن الدين والمساجد.