خلال السنوات الماضية، كنت كلما اشتد ضيقى من السياسة ومن البحث فى شئونها أعمد إلى الكتابة فى قضايا مجتمعية وثقافية وأدبية (مطالعات لأعمال أدبية) علها تهدئ من روع النفس الكاتبة وتباعد بين القراء وبين بؤس سياسة تعجز باستمرار فى وطننا عن تحقيق الصالح العام وتديرها بالفعل «نخب محنطة».
وقد حاولت العودة إلى ذات الممارسة بعد انتهاء الاستفتاء على الدستور المشوه، وطالعت مجددا مجمل المشهد المجتمعى والثقافى فى مصر، ويا لهول ما وجدت، ويا ليتنى ما فعلت! فبؤس السياسة ونخبها يفرض تداعياته السلبية على المجتمع والثقافة ويصنع سياجا كاسيا من الخوف والقلق والتربص والتشوه يذهب باعتيادية الحياة التى تمكننا كبشر بتعددها وبتنوعها وبتناغم الاختلاف من العيش المشترك وقبول الآخر، من الإبداع ومن تذوق الإبداع، من أنسنة عالمنا وخبراتنا اليومية به.
فتهنئة المصريات والمصريين الأقباط بمناسبة أعياد الميلاد حرمتها هيئة تتمسح بالدين الإسلامى، وتحولت من ثم من أمر اعتيادى وإنسانى لم يغب عن مجتمعنا أبدا إلى قضية رأى عام تظل بائسة بغض النظر عن جموع المدافعين عن ضرورة تهنئة الأقباط بالأعياد لأن مجرد إثارة نقاش مجتمعى حولها بائس وكارثى.
وحرية الإبداع والنقد، دون تسفيه أو تشويه أو افتراء، تحاصَر ببلاغات وقضايا يحركها متشددون ومضللون ضد مبدعين انضمت مؤخرا لقائمة الملاحقين من بينهم رسامة الكاريكاتير دعاء العدل. ومظاهر التعدد والتنوع فى حياتنا اليومية تقمع تدريجيا، ويحل محلها الزى الواحد واللغة الواحدة والفهم الأحادى للدين وللأخلاق والحقائق المطلقة، وكالعادة تعانى المرأة المصرية هنا أكثر من الرجل وهى تواجه محاولة تنميط وجودها فى المساحة العامة ومحاربته بعنف لفظى ومادى إن خرج عن النمط هذا.
بؤس السياسة يلاحقنا بعيدا عن ساحات صراعاتها واستقطاباتها، وسياج الخوف والقلق والتربص والتشوه الذى يصنعه يقضى على اعتيادية حياتنا وإنسانية مجتمعنا. وللأسف، سيظل إنقاذ حياتنا ومجتمعنا مرهونا بإنهاء بؤس السياسة واستعادتها ممن اختطفها ويسعى لاحتكارها لمصلحة الفصيل الواحد.