نموذج الحاكم الذى قدمه عثمان بن عفان رضى الله عنه، ودعمه ملك «بنى أمية» والذى يحاول الإخوان احتذاءه، ليس رجل سياسة وفقط، بل هو رجل سياسة ورجل أعمال -بالمصطلح الحديث- فى آن واحد، وبالتالى فمن حقه إبرام الصفقات، وتسخير مقدرات الدولة لصالح عمله التجارى، حتى ولو كان المال مملوكاً لـ«بيت مال المسلمين»، أو وزارة الخزانة أو المالية بلغة العصر. فلا فارق فى هذه الحالة بين الجيب الخاص للحاكم والجيب العام للدولة، يضاف إلى ذلك أن الحاكم «التاجر» يصبح المسئول الأول عن «توزيع المكتسبات»، فيصبح من الطبيعى أن يظهر إلى جوار «المحتكر الكبير» مجموعة من «المحتكرين الصغار».
ويؤمن الحاكم التاجر وبطانته بأن «المال» لا دين له، وبالتالى فلا عتب عليه إن انخرط -أو أحد أتباعه- فى صفقات تجارية، مع خصومه الدينيين، حتى ولو كانوا يهوداً. وربما تكون قد تفاجأت عندما استمعت إلى تصريحات الدكتور «عصام العريان»، أحد أقطاب جماعة الإخوان، وهو يدعو اليهود (الذين سبق لهم الحياة فى مصر) للعودة إليها مرة ثانية، والرجل لم ير َأى غضاضة فى ذلك، وعاند كل منتقديه فى هذا المقام، والسر فى الأمر أن لهذا الموضوع أصلاً فى تاريخ «الملك» القائم على التجارة. ولو أننا عدنا إلى التجربة العثمانية (نسبة إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه) فسوف نجد أنه لم يتردد عن عقد الصفقات مع التجار اليهود، خاصة فى مجال تجارة التمور والشعير وبعض أنواع الأطعمة (وهى التجارة الأصيلة لعثمان)، والتاريخ يذكر أن عثمان كان يشترى من بنى قينقاع «اليهود» التمر، ويبيعه للمسلمين فى سوق المدينة. وقد كان يهود «بنو قينقاع» هؤلاء أول من غدر بالنبى صلى الله عليه وسلم، وخانوا عهدهم معه، فنالوا منه عقاباً قاسياً!
فى هذا السياق أجد أنه من غير المستغرب على الإطلاق أن يدعو الدكتور «عصام العريان» اليهود للعودة إلى مصر، وأن يرد عليه أعضاء الهيئة اليهودية المصرية بباريس ببيان يطالبون فيه باستعادة الحقوق الضائعة لليهود المصريين، والتى تقدر بحوالى 30 مليار دولار! فاليهود الذين عاشوا فى مصر كانوا تجاراً أصلاء أورثوا التجارة لأبنائهم، وفكرة الدولة التى نادى بها الشيخ حسن البنا، كان المشروع الاقتصادى مرتكزاً محورياً لها، وقد ورث الإخوان عنه فكرة «التجارة» كأساس للملك، لذلك فقد نشطوا فى كل الاتجاهات من أجل الربح التجارى، وليس من المستبعد أن تجد أن كبار أعضاء التنظيم الدولى للجماعة يتمتعون بعلاقات تجارية متينة مع رجال أعمال يهود. ولكى تتأكد من هذه الحقيقة اسأل نفسك: من الذى يتحكم الآن من أفراد جماعة الإخوان فى المصريين، بل وفى المرشد العام ورئيس الدولة.. جاوبت؟!.. «مالك» «شاطر» كده؟!