عندما تكون التجارة أساس الملك، يتم تهميش كل المجتمع إلا التجار، فتتراجع قيمة كل من العمال والفلاحين. ومن المعلوم أن كبار كفار العرب رفضوا دعوة النبى محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن من وجهاء تجار مكة أو ثقيف: «وقالوا لولا نُزِّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم». لم يكن النبى تاجراً، بل كان راعياً للغنم (عاملاً)، ولا يستطيع أن يحتج أحد بأن النبى كان تاجراً، لأنه أشرف على تجارة زوجه السيدة خديجة بنت خويلد، لأنه لم يكن يمتلك المال بل كان (عاملاً) عليه.
وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد أسس دولة الإسلام على قاعدة أن المسلمين جميعاً متساوون كأسنان المشط، لا فضل لعربى على أعجمى، ولا لأبيض على أسود، ولا لسيد على مواليه أو خدمه، إلا بالتقوى، ورغم حرص كل من أبى بكر وعمر على تأكيد هذه القيمة طيلة فترتى خلافتهما، فقد كان هناك آخرون يعملون على إحياء فكرة «الملك» من المنظور التجارى التى سادت مكة قبل البعثة، فسعوا إلى تهميش كل من الزراع والعمال. وتمثّلت أولى الخطوات التى تمت فى هذا الاتجاه فى تهميش الأنصار من أهل المدينة، خصوصاً ممن كانوا يعملون بالزراعة، ثم جاءت الخطوة التالية فى تهميش «الصناع».
وقد دأب أغنياء مكة طيلة فترة حكم عمر بن الخطاب على جلب الصناع (العمال) من بلاد فارس ليعملوا تحت كفالتهم، نظير أن يؤدوا إليهم مبلغاً من أرباحهم كل شهر. وقد كان قاتل عمر بن الخطاب «أبو لؤلؤة المجوسى» واحداً من هؤلاء الصناع وكان كفيله «المغيرة بن شعبة». وهو أمر يستحق التأمل، خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار أن الحكم انتقل من بعده إلى عثمان بن عفان، بعد منافسة عنيفة مع على بن أبى طالب، وكان الحكَم بين الاثنين هو «عبدالرحمن بن عوف» وهو واحد من كبار التجار فى تاريخ المسلمين!
وتحكى كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه خرج إلى السوق فلقيه أبولؤلؤة المجوسى، غلام المغيرة بن شعبة، وكان صانعاً يعمل الأرحاء (جمع رحى)، فقال له: ألا تكلم مولاى يضع عنى من خراجى؟ قال: وكم خراجك؟.قال: دينار. قال إنك لعامل محسن، ولقد سمعت أنك تصنع رحى تعمل بالريح، فقال له: وسع الناس عدلك وضاق بى، والله لأعملن لك فى الغد رحى يتحدث بها الناس، وكان أن طعنه. لعلك تكون قد فهمت الآن لماذا أصر الإخوان على إلغاء النص الدستورى على تمثيل العمال والفلاحين بنسبة 50% فى المجالس التشريعية.. فالتجارة يا سادة أساس الملك عندما يكون «إخوانياً»، وليس الزراعة أو الصناعة!