إذا كانت مواطنة الحقوق المتساوية هى فرض ضرورة فى الدولة الحديثة وشرطاً رئيسياً للقضاء على التمييز، فإن قبول الآخر والتسامح والعيش المشترك هى مقومات نجاح المجتمع فى إدارة تنوعه الدينى والمذهبى والعرقى والمناطقى، وصناعة طاقة إبداع إيجابية وإنسانية لا تملكها المجتمعات أحادية التكوين.
وفى مصر، وبجانب تنوع مكوناتنا العرقية (أهل النوبة) والمناطقية (أهل سيناء)، يمثل التنوع الدينى حقيقة مجتمعية راسخة دوماً أسهمت فى إنسانية الحضارة والثقافة المصرية وأنتجت إبداعاتها المختلفة. إلا أن مجتمعنا، وبدون إضفاء هالة المثالية المعتادة، كثيراً ما شهد توترات طائفية بين مسلميه وأقباطه ويهوده (قبل التهجير القسرى لمعظم أفراد الطائفة اليهودية) وما زال يعانى اليوم من ذات التوترات ومن ضعف ثقافة قبول الآخر والتسامح والعيش المشترك.
هنا، وبجانب دور الدولة ومؤسسات المجتمع التعليمية والتربوية والدينية والمدنية (للأحزاب السياسية إن التزمت قيم الحداثة) دور معتبر فى التقريب بين مسلمى مصر ومسيحييها، تتحمل الأغلبية المسلمة مسئولية كبرى فى احتواء التوترات الطائفية وفى الدفاع عن مواطنة الحقوق المتساوية وترجمتها فى الحياة اليومية إلى قبول وتسامح وعيش مشترك. ومصدر مسئولية الأغلبية هو الحقيقة التاريخية الراسخة فى مجتمعنا وغيره من المجتمعات البشرية والقاضية بأن انفتاح الأغلبية على المجموعات السكانية الأصغر عدداً وطمأنتهم بشأن حماية حقوقهم وحرياتهم الدينية والثقافية والمدنية عادة ما يشجع هذه المجموعات على ترك مخاوفها التقليدية جانباً وتجاوز أسوار العزلة والانخراط بإيجابية فى كافة مناحى الحياة بالمجتمع. وفى التاريخ المصرى وواقعنا المعاصر، وبالعودة إلى ثورة 1919 المجيدة أو الفترة القصيرة التى تلت ثورة 25 يناير (حتى استفتاء التعديلات الدستورية)، أمثلة جلية على صدق هذه الحقيقة.
مسئولية الأغلبية المسلمة، إذن، تتجاوز وبكثير حدود فعل التهنئة الرمزى الذى أثار نقاشاً بائساً خلال الأيام الماضية، ولا تقف أبداً عن حدود مطالبة الدولة ومؤسسات المجتمع بدعم ثقافة القبول والتسامح والعيش المشترك.
مسئولية الأغلبية المسلمة هى الانفتاح والطمأنة والتشجيع على الاندماج والانخراط والثقة، ولأن الأقباط دوماً ما وضعوا مصريتهم فى المقدمة وبحثوا عن دور فعال دون عزلة أو خوف، فى إيجابية النتائج.
مصر وطن الجميع، هكذا كانت وستظل رغم بعض التصدع والتوترات الطائفية. مصر وطن الجميع، وأغلبيته المسلمة هى حاضنة التنوع وحاملة مسئولية الانفتاح والطمأنة. مصر وطن الجميع، فكل عيد ميلاد وأقباط مصر بخير ومجتمعنا يقترب ولو خطوة واحدة من استعادة ذاكرة الإبداع الإنسانى المرتبطة بالقبول والتسامح والعيش المشترك.