عندما تكون التجارة أساس الملك يصبح «الكذب» جزءاً من بضاعة الحاكم «التاجر»، وقد يصل الأمر إلى أن يبنى حكمه بأكمله على «كذبة كبرى». وقد حدثتك عن تأكد صعود طبقة التجار إلى حكم الدولة المسلمة فى عهد معاوية بن أبى سفيان، وقد بنى معاوية حكمه وأسس ملكه وملك بنى أمية على كذبة كبرى اسمها «الثأر من قتلة عثمان بن عفان». فقد رفض بيعة «على» إلا بعد الثأر، وحمل قميص «عثمان» الملطخ بالدماء وطاف به أرجاء الشام، يحرض أهله على الثأر لمن قتل مظلوماً. وتتابعت حلقات الفتنة حتى وصل أمر الحكم إلى معاوية.
ويحكى «ابن كثير» فى «البداية والنهاية» واقعة عجيبة تشهد على أن معاوية استغل كذبة «الثأر من قتلة عثمان» حتى يصل إلى الحكم، فلما وصل إليه نسى الحكاية برمتها، يقول فيها: «قدم معاوية المدينة أول حجة حجها، بعد اجتماع الناس عليه، فتوجه إلى دار عثمان بن عفان، فلما دنا إلى باب الدار، صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها، فقال معاوية لمن معه: انصرفوا إلى منازلكم فإن لى حاجة فى هذه الدار، فانصرفوا، ودخل، فسكّن عائشة بنت عثمان وأمرها بالكف، وقال لها يا بنت أخى: إن الناس أعطونا سلطاننا، فأظهرنا لهم حلماً تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد فبعناهم هذا بهذا، وباعونا هذا بهذا، فإن أعطيناهم غير ما اشتروا منا، سعوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم، ومع كل إنسان منهم شيعته، فإن نكثناهم نكثوا بنا، ثم لا ندرى أتكون لنا الدائرة أم علينا؟، وأن تكونى ابنة عثمان أمير المؤمنين أحب إلى أن تكونى أمة من إماء المسلمين، ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك».
لم يبرح الإخوان عتبة «الكذبة الكبرى» عندما خرجوا علينا بعد نجاح ثورة 25 يناير متحدثين عن «مشروع النهضة»، ووعدوا الشعب بجبال الذهب وأنهار العسل، وبعد أن حصدوا كل أسباب الحكم، خرج علينا «شاطرهم» قائلاً: لا يوجد لدى الجماعة مشروع للنهضة، بل مجموعة من الأفكار. ولا أريد أن أبالغ -كما يذهب البعض- فأقول إن الإخوان بنوا تاريخهم على مجموعة من الأكاذيب الكبرى، من بينها البلاء الحسن فى حرب النكبة عام 1948، وحكايات التعذيب الذى تشيب لهوله الولدان فى الستينات (وما أدراك ما الستينات على رأى الريس)، وموضوع النظام الخاص أو ميليشيات الجماعة بالتعبير المعاصر، وغير ذلك من أمور، لكن يبقى أنه مهما قيل عن مبالغة البعض فى حديثهم عن تلك الأكاذيب الإخوانية، إلا أن العديد من حقائق التاريخ والواقع تشهد على أن الكذب يجرى من «الإخوان» مجرى الدم فى العروق!.