عندما كلف رئيس الجمهورية الدكتور هشام قنديل بتشكيل الحكومة الأولى للرئيس المدنى الأول، أكدت على أن التكليف هذا هو من بين صلاحيات الرئيس الجوهرية وأن المعارضة لا يحق لها (فى ظل غياب مجلس الشعب) الاعتراض على التشكيل الحكومى، بل واجبها هو مراقبة أداء الحكومة وتقييمه بموضوعية وشرح ذلك كله للرأى العام.
وحين تضمن التشكيل تعيين إعلامى مُنتمٍ لجماعة الإخوان المسلمين كوزير للإعلام، هو الدكتور صلاح عبدالمقصود، انتقدت استمرار منصب وزير الإعلام وثيق الارتباط بتقاليد النظم السلطوية فى قمع الحريات الإعلامية وتوجيه الرأى العام.
وقتها، ونظراً لأن وزير الإعلام لم يكن الوحيد صاحب الانتماء الإخوانى فى التشكيلة الوزارية، شددت على أن لرئيس الجمهورية أن يأتى بجميع الوزراء من جماعته وحزبها شريطة أن يستصدر من القوانين ما يضمن حيادية مؤسسات الدولة ويميز بين مناصب سياسية كالوزراء والمحافظين وبين الجسد التنفيذى والإدارى (البيروقراطى) للوزارات وللمحافظات وغيرها ومن ثم يحول دون فرض لون أيديولوجى أو سياسى أو حزبى واحد على الدولة (خطر أخونة الدولة).
منذ التشكيل الأول لحكومة الدكتور قنديل وحتى تعديلها الأخير، ركدت الكثير من المياه فى مجرى الحياة السياسية المصرية ورتب ركودها غياب السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفعالة وتصاعد حدة الأزمات المجتمعية التى باتت تعصف بشروط العيش الكريم للقطاع الأكبر من المصريات والمصريين.
وفى المقابل، تحركت بعض المياه مدفوعة بتيارات معاكسة للتطور الديمقراطى وأسفرت عن غزو منظم للإخوان لبعض مؤسسات الدولة (الإعلام والمحافظات والمحليات والشباب) وبناء تحالفات جزئية مع بعضها الآخر (الأجهزة الأمنية) واستعداء مجموعة ثالثة (السلطة القضائية).
وصنع كل هذا حالة غير مسبوقة من التخبط والتضارب والتناقض فى أداء مؤسسات الدولة المصرية وعجز مزمن لحكومة الدكتور قنديل.
وواقع الأمر أن التعديل الوزارى الأخير إنما يعد ترجمة مباشرة لاستمرار فعل التيارات المعاكسة للتطور الديمقراطى. فجماعة الإخوان ماضية فى إخضاع المزيد من مؤسسات الدولة لسيطرتها، الآن مع وزراء إخوان للتنمية المحلية والتموين ومع وزير متعاطف مع «فكرهم» للمالية وفى ظل غياب قوانين تضمن حيادية الدولة.
الجماعة ماضية أيضاً فى استتباع الأجهزة الأمنية عبر التحالفات والتغييرات الجزئية، وفى تعيين وزير الداخلية الجديد دليل واضح على هذا.
أما العجز المزمن فى أداء حكومة الدكتور قنديل، ومع غياب التغيير فى معظم الحقائب الوزارية المسئولة عن الملفات الاقتصادية والاجتماعية، فمرشح للاستمرار. ولا عزاء للمصريات والمصريين.