على القوى السياسية فى مصر أن تتواضع وتكف، حكماً ومعارضة وجموعاً ملتحقة بالركب وفقاً للمصالح وللمنافع، عن الحديث باسم المواطن وأولوياته.
فالشريحة الأكبر من المواطنات والمواطنين، ولنا فى نسبة المشاركة الشعبية المتدنية فى استفتاء الدستور عبرة جلية، باتت (أو ما زالت) مفتقدة للثقة فى القوى السياسية وتنظر لقضاياها المختلفة من الدستور إلى سياسات الإخوان الاقتصادية والاجتماعية كأمور إما بعيدة عن هموم حياتها اليومية أو معادية لها ومصدر للمزيد من الهموم والمعاناة.
لا يحق لا للإخوان ولا لغير الإخوان من تيارات الإسلام السياسى، ولا لجبهة الإنقاذ ولا لغيرها من القوى الليبرالية والوسطية الأخرى ادعاء تمثيل المواطن والدفاع عن أولوياته وكل هذا الحزن والبؤس والشقاء والنقمة وفقدان الأمل يغلف المجتمع، لا يحق لأحد الحديث باسم المواطنات والمواطنين وهو إما يعدهم زيفاً باستقرار يعلم أن شروطه الموضوعية غير متوفرة، أو بتدوير عجلة الإنتاج والتنمية وهو لم يطور رؤية واستراتيجية محددة، أو بالعمل على إسقاط دستور مشوه وهو يفكر فقط فى الانتخابات والقوائم وأسماء المرشحين، أو بمعارضة سياسات وممارسات الاستبداد الإخوانية وهو لا يطرح بديلاً ولا يملك أدوات للمواجهة.
على الجميع أن يدرك، ولا أستثنى نفسى، أن الشريحة الأكبر من المواطنات والمواطنين لم تعد راغبة أو قادرة على متابعة آراء السياسيين أو التعاطف معها والتحرك للدفاع عنها. لا يحرك أحد الشارع فى مصر، لا الإخوان ولا جبهة الإنقاذ ولا السلفيون ولا غيرهم. الشارع بعيد عن الجميع، وفاقد الثقة فى الجميع، وسياسة ما بعد الثورة التى كان يؤمل بها خيراً تحولت إلى مصدر حزن وبؤس وشقاء.
وواقع الأمر أن ما نسميه سياسة فى مصر ليس به من السياسة الشىء الكثير، فالسياسة كنشاط إنسانى هدفه تحقيق الصالح العام ينبغى أن تقدم للمجتمع رؤى مختلفة للوصول إلى القيم العليا لوجوده (العدل والحرية والمساواة وسعادة البشر) وتحدد الطرق والأدوات المناسبة (الاستراتيجيات) وتعمل على اكتساب ثقة شرائح متزايدة من المواطنات والمواطنين.
أما فى مصر، فما يسمى لدينا سياسة، مقطوع الصلة بهذه المضامين ولا تستدعى القيم العليا إلا كقشور وللترويج الانتخابى ولا حديث عن استراتيجيات إلا من باب إيهام المواطن بالعمل الجاد على حماية أولوياته وتحقيق مصالحه.
مع اختلاف المواقع حكماً ومعارضة والتحاقاً بالركب، ومع اختلاف الأهداف من بناء استبداد جديد إلى مواصلة الثورة إلى بحث عن مكان ونصيب على مائدة توزيع السلطة والثروة والنفوذ فى بلادنا، ومع اختلاف المواقف والممارسات من انفراد إلى مشاركة أو مقاطعة، على جميع القوى السياسية التواضع ومراجعة الحسابات ونقد الذات. بإيجاز، لأن إخفاقاتنا لم تعد خافية على الشريحة الأكبر من المواطنات والمواطنين ولأن صبر هؤلاء علينا نفد، ومنذ فترة ليست بالقصيرة.