«حدائق أكتوبر».. حلم «الغلابة» يتحول إلى حقيقة
وحدات سكنية جاهزة التشطيبات تنتظر المواطنين
على بُعد بضعة كيلومترات من مدينة 6 أكتوبر، تتراص الكتل الخرسانية الصماء بشكل مكثف على جوانب الطريق الدائرى فى اتجاه المريوطية والرماية،ارتفاعاتها وأحجامها غير متناسقة، وشوارعها ضيقة لا تزيد على 5 أمتار، لكنها تفصل بين أبراج يزيد ارتفاعها على 12 طابقاً، أسطح مبانيها مشوهة، مثل مخازن الروبابيكيا، وأرضيات شوارعها متربة ومتعرجة وغير ممهدة، فيما تستحوذ أكوام القمامة على نصيب كبير منها، قبل أن يأتى لودر الحى ليحمل الزبالة على عربات النقل فينتج عن هذه العملية رائحة كريهة تزكم الأنوف، وفى قلب هذه الشوارع الممتلئة بالأتربة تنتشر محلات الفاكهة والمخابز الإفرنجية التى تترك بضائعها فى نهر الشوارع.
«التوك توك» وسيارات نصف نقل التى تنقل الركاب تتسبب أيضاً فى اختناقات مرورية عديدة، لأنها تسير عكس الاتجاه، فى ظل غياب مرورى تام، كما يستحل أصحاب الأكشاك بهذه المناطق الشعبية أو العشوائية الأرصفة ويستغلونها فى التجارة، ويسرقون الكهرباء على مرأى من الحى، ويحاولون التغلب عصراً على الرطوبة والهواء المترب برش مياه الشرب النقية القليلة على الأرض. الكتل الخرسانية والوحدات السكنية الخالية من السكان لا يجمع بينها شىء سوى اللون الأحمر فقط، لون الطوب، تشوه عمرانى كبير لا يراعى أى اعتبار ذوقى أو اجتماعى أو إنسانى سوى الإقامة بين 4 جدران فحسب، دون متنفس حقيقى يظفر به المواطن الذى لا يرى السماء أو الشمس من فرط الضيق وسوء التخطيط، ما يؤثر على الحالة النفسية والصحية للمواطنين والأطفال الذين لا يجدون مكاناً لتفريغ طاقاتهم، أو تكوين بنية عقلية وصحية سليمة، وفى النهاية يكتسبون صفات المكان الذى نشأوا فيه من عشوائية وتشوه، بالإضافة إلى إصابة الكبار بأزمات صحية كبيرة، حسب وصف الأطباء الذين ينصحون بالخروج من محافظتى القاهرة والجيزة المزدحمتين.
خدمات ومحلات ودور عبادة وأماكن انتظار سيارات وتجهيزات خاصة لذوى الاحتياجات.. والأسعار «خارج المنافسة»
لكن بعد كيلومترات قليلة سيجد زائر مدينة 6 أكتوبر الأجواء المثالية للإقامة بعيداً عن تلوث القاهرة والجيزة وعشوائيتهما وزحامهما المر، بعد توافر كل متطلبات الحياة الكريمة والنظيفة. على يمين طريق الواحات ينحرف طريق فرعى فى اتجاه الجنوب بالقرب من مدينة الإنتاج الإعلامى يسمى طريق «النايل سات»، ماراً بين بنايات حديثة وجيدة فى الاتجاه الأيمن، ومبانى مشروع ابنى بيتك التى تشوه المكان وتُعتبر عشوائية على الجانب الأيسر من الطريق، وبعد المرور بجوار محطة مياه شرب مدينة 6 أكتوبر ينحرف الطريق قليلاً ليتصل بطريق «الجيزة - الفيوم الصحراوى»، ثم يميل لليمين، ليتصل بـ4 حارات كبيرة للسيارات، تفصل هذه الحارات بين «كومباوند خاص» يقع شمالاً، وعمارات الإسكان الاجتماعى التى تقع جنوباً ويبلغ عدد الوحدات السكنية بها 1608 شقق، ويزين لون البيج واجهات العمارات من الخارج، ويتقاطع معه لون بيج غامق يميل للصفرة، فيما تم طلاء حوائط البلكونات باللون النبيتى، وتم أيضاً توحيد لون نوافذ البلكونات بالدور الأرضى لتكون صفراء، لكنها فى الطوابق الأخرى تم تصنيعها من الألوميتال، ليكون لونها فضياً لامعاً.
مداخل العمارات متسعة إلى حد ما، وبواباتها الحديدية ذات اللون الأسود مغلقة فى انتظار قدوم المتعاقدين، أعلى البوابة توجد لافتة من البلاستيك صفراء مكتوب عليها «بسم الله الرحمن الرحيم»، ويقع رقم العمارة أسفل هذه اللافتة، وفى الوقت الذى توحّد فيه لون العمارات بالكامل، فإن مداخلها لم تتطابق تماماً، حيث تم تخصيص مهبط أو منحدر يخص المعاقين فى مداخل بعض العمارات ليسكنوا فى الطابق الأرضى منها، وسط المجاورة التى قامت بإنشائها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وافتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل شهر ونصف تقريباً، يوجد مسجد عمر بن الخطاب، وبجواره الملاعب الرياضية التى تمت تسميتها باسم «نادى البنفسج الرياضى» ومنطقة الخدمات وتطل العمارات السكنية من الجانبين.
«معتز»: رأيت صوراً على الإنترنت وفوجئت بأنها المشروع الحقيقى حينما زرت الموقع «مصطفى»: سعداء بالعمل مع الجيش لأنه لا يؤخر موعد المستخلصات أو استلام الأجر
لا يفصل بين المسجد والكنيسة سوى منطقة الملاعب الخماسية التى أعجب بها وزير الإسكان التوجولى، الذى زار مصر مؤخراً برفقة رئيس توجو، حيث حرص على زيارة مناطق الإسكان الاجتماعى فى 6 أكتوبر للاستفادة من الخبرات المصرية فى مجال إنشاء هذه المساكن، وأبدى إعجابه بفكرة إنشاء الكنيسة بجوار المسجد. وقال حسب وصف المهندس عصام بدوى، رئيس جهاز تنمية مدينة 6 أكتوبر: «سيخرج المسلمون من المسجد وسيخرج الأقباط من الكنيسة وسيلتقون هنا فى المنتصف ليلعبوا كرة القدم»، وقال أيضاً وزير الإسكان التوجولى إنه سيرسل بعثة هندسية من بلاده للاطلاع على النماذج المصرية فى إنشاء الإسكان الاجتماعى لنقل هذه التجربة إلى بلاده فى أفريقيا، وأضاف أنه سيستعين بخبرات الشركات المصرية العملاقة فى تنفيذ هذه المشروعات، وداعب الحضور قائلاً: «مدينة 6 أكتوبر بكل مبانيها وإنشاءاتها ومصانعها وعدد سكانها تعادل دولة توجو بأكملها»، قبل أن يداعب رئيس جهاز المدينة قائلاً له: «ما رأيك فى أن تذهب معنا توجو للإشراف على هذه المشروعات؟».
زيارة وزير إسكان توجو ليست الزيارة الوحيدة التى تمت فى منطقة الإسكان الاجتماعى بحدائق أكتوبر، حيث زار وفد يابانى المنطقة لتفقُّدها والوقوف على حجم إنجاز مشروعات الإسكان فى مصر، وأبدى إعجابه جداً بها وقرر تقديم منحة مالية لإنشاء ٣ مدارس، بعد التنسيق مع هيئة الأبنية التعليمية المصرية التابعة لوزارة التربية والتعليم لتنسيق نموذج يتوافق مع نمط المشروع. على بُعد حوالى 200 متر فقط من موقع إنشاء الكنيسة يوجد مول كبير مكون من 3 طوابق ويتطابق لونه من الخارج مع لون العمارات السكنية، ويحمل اسم «البنفسج مول» خلف المول الكبير يوجد المركز الطبى لحى البنفسج ويتكون من 4 طوابق، وبجوار المول من الناحية الشرقية يوجد مسجد ودار مناسبات «أبوبكر الصديق»، وعلى بوابة المول الزجاجية يوجد إعلان مقدم من وزارة الدفاع لإيجار المحلات مكتوب فيه: «يتشرف جهاز الخدمات العامة بوزارة الدفاع أن يعلن عن محلات بمساحات مختلفة للإيجار بمول البنفسج بمدينة 6 أكتوبر الجديدة، وعدد 10 محلات تجارية تصلح لكافة الأنشطة».
داخل المول الذى تم طلاء حوائطه الداخلية باللون الأبيض، كان يقف مصطفى محمود عطية، 34 سنة، ومقيم بحى السيدة عائشة بمحافظة القاهرة، بصبحة زملائه عمال الرخام الذين أتى بهم من الحى الذى يقيم ويعمل به، يقول مصطفى صاحب الوجه المربع والبشرة السمراء: «أعمل هنا منذ شهر تقريباً وقمنا بالانتهاء من تركيب الرخام بأرضية الدور الأول من المول، ويعمل معنا عدد من عمال الكهرباء والنقاشة والسباكة، ونحن سعداء جداً بالعمل مع الجيش لأنه لا يؤخر موعد المستخلصات أو استلام الأجر، عكس باقى الشركات أو الهيئات الأخرى، ورغم بُعد المسافة بين هذا الحى والسيدة عائشة، فإننا نحضر إلى هنا يومياً فيما يبقى البعض الآخر هنا ويبات فى المول خاصة العمال المقبلين من محافظات الوجه البحرى والصعيد، أما نحن فنركب 3 مواصلات للوصول إلى هنا ونخرج إلى طريق الفيوم لركوب أى ميكروباص ينقلنا إلى ميدان الرماية أو الجيزة».
يتوقف «مصطفى» عن الحديث قليلاً ويطلب من أحد مساعديه الشبان أن يعطيه إحدى أدوات العمل ثم يكمل حديثه قائلاً: «أنا شغال مع الجيش بقالى 7 سنين فى حلوان وبرج العباسية والتوفيقية، وهنا فى 6 أكتوبر وكان يعمل الأسبوع الماضى معى حوالى 20 عاملاً، ويبلغ أجر العامل فى اليوم الواحد 80 جنيهاً، و170 جنيهاً للصنايعى، وأرى أن ذلك أجر مجز، البلد فيها شغل كتير الآن، واللى عاوز يشتغل بيشتغل، لكن أزمة المهن الحرة عدم استمرارية العمل، يعنى بقالنا سنة ما اشتغلناش فى أى مشروع لحد ما جينا اشتغلنا هنا، وبصراحة المشاريع الكبيرة بتفتح باب رزق لكل الحرف والمهن مش بتوع الرخام بس».
المهندس خالد سرور، معاون رئيس جهاز تنمية مدينة 6 أكتوبر، مهندس شاب نجح فى المسابقة التى أعلنت عنها الحكومة لتعيين الشباب فى المواقع القيادية بالدولة، لتأهيلهم لشغل مناصب أعلى فى الفترة المقبلة، يقول مفتخراً: «تصميمات مشروع الإسكان الاجتماعى الجديدة تراعى أبعاداً كثيرة من أهمها توفير بيئة مناسبة للسكن فى هدوء وأمان، حيث سيتمتع المواطن الذى يسكن هنا بتوافر المساحات الخضراء أمام شقته وفى جوانبها، فالشوارع الجانبية بين العمارات مساحتها لا تقل عن 8 أمتار وستُزرع بالأشجار والنجيل الصناعى، فيما ستتحول المساحات الخالية إلى حدائق مع قدوم السكان، كل ما يُحرم منه المواطن فى الأحياء الشعبية أو العشوائية سيجده هنا بالضبط، حدائق ومساحات واسعة وخدمات ومحلات تجارية ودور عبادة حديثة وقريبة جداً، وأماكن انتظار سيارات وحضانات ومراكز تجارية صغيرة وكبيرة، وأرصفة للمشاة تم تبليطها بالطوب والشوارع مسفلتة بشكل جيد، المواطنون الآن يبحثون عن الأوكسجين والهواء النقى والراحة النفسية وهو ما سيجدونه فى كل أحياء الإسكان الاجتماعى بلا استثناء وبأسعار زهيدة جداً».
يشير معاون رئيس جهاز المدينة بيده إلى حضانة جديدة سميت «حضانة النرجس»، وإلى المساحة الخالية أمامها، وإلى مسجد السيدة خديجة الذى يواجهها، ويطيل الإشارة إلى مركز النرجس التجارى وإلى المخبز الجديد الذى يتوسط المنطقة السكنية، وإلى موقع انتظار السيارات قائلاً: «كل حاجة هنا معمول حسابها، حتى النظافة والصيانة والحراسة تم التعاقد عليها أيضاً، أما خطوط المواصلات فقد تم التعاقد أيضاً مع بعض شركات النقل الجماعى لتوفير خطوط نقل إلى مدينة 6 أكتوبر وإلى ميدان الرماية».
على رصيف أحد الشوارع المبلطة كان يسير معتز فاروق الأبيض، 40 سنة، بصحبة زوجته، حضرا من المنوفية لإنهاء إجراءات التعاقد مع بنك الإسكان والتعمير فى الصباح قبل أن يتوجها إلى المنطقة التى سيقيمان فيها بصحبة ابنيهما: «عرفت خلاص إن شقتى هتكون فى عمارة رقم 308، وأنا جاى دلوقتى أدوّر عليها محدش يعرف هى فين؟»، هكذا تحدث الرجل صاحب الوجه الطولى والشعر الأسمر المسترسل الذى قام بتسريحه للخلف قبل أن يضيف: «أنا من المنوفية وأعمل هنا فى أحد المصانع بمدينة 6 أكتوبر، بينما تقيم أسرتى الصغيرة فى محافظة المنوفية، لذلك قدمت على الحصول على شقة هنا لأكون قريباً من مكان عملى أنا وأسرتى، بدلاً من السفر كل يوم أو كل أسبوع، وأنا فى الأساس أكره الزحام، ولا أحب الذهاب إلى القاهرة بسبب ازدحامها، ونحن فى الأرياف نحب الأماكن الواسعة».
يتحدث مع زوجته قليلاً قبل أن يكمل: «دفعت 24 ألف جنيه كمقدم للبنك وسأقوم بدفع 420 جنيهاً كقسط شهرى لمدة 9 سنوات بزيادة 7%، ليستمر الدفع لمدة 19 سنة، ليكون القسط الشهرى بعد السنة التاسعة 674 جنيهاً، قمت بمشاهدة صور الوحدات السكنية على الإنترنت قبل حضورى إلى هنا، وكنت أشك فى أنها رائعة على أرض الواقع».