ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتولّ أنت جميع أمرك. ربما لم يستوعب المواطن العادى جمال المعنى فى هذا البيت الشعرى، كما استوعبه خلال الأشهر الماضية التى أعقبت ثورة 25 يناير. ولعله تعلم هذا الدرس من الأحداث التى عاشها خلال أيام الثورة الـ18. فبيده -وبيده فقط- استطاع التخلص من طاغية، صدئت المسامير التى ظلت تمسك بتلابيب الحكم من طول المدة التى قضتها فى أداء تلك المهمة، منها مسمار الآلة القمعية، ومسمار الآلة الإعلامية، ومسمار الدعم الأمريكى، ومسمار التأييد العربى، ومسمار المصريين ممن عودهم المخلوع على عبادة «الاستقرار» ولو كان فى قرار بئر عميق.
هذا المواطن الذى يسأل عما يمكن أن يحدث يوم 25 يناير القادم، هو الوحيد القادر على تحديد ما يمكن أن يحدث. ويقيناً أن هذا المواطن يشعر بحالة من الاحتقان والغضب لم يسبق له الشعور بها، بسبب إحساسه بعدم حدوث أى تغيير إيجابى بعد أن أسقط الطاغية، بل لقد زادت الفترة الانتقالية حياته تعقيداً. و«الأمرّ» من ذلك هى معيشته التى تزداد «مراراً» بعد وصول الإخوان إلى الحكم، بسبب عجزهم عن حل أى مشكلة من مشكلاته، وحالة «الإفلاس» العقلى التى يعانون منها والتى توشك أن تدخل البلاد فى دائرة «إفلاس».
هذا المواطن قيل له: «اخرس عن قولة لا وقل نعم»، فخرس وعمى وائتم بالخصيان.. ومكث فى عبيد «عبس» يحرس القطعان.. يجتز صوفها.. يرد نوقها.. ينام فى حظائر النسيان (مع الاعتذار للمبدع أمل دنقل). قال نعم للتعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011، ثم نعم للإخوان والسلفيين فى انتخابات مجلس الشعب، ومجلس الشورى، ثم نعم لمرشح الإخوان فى الرئاسة، وأخيراً «نعم» للدستور الإخوانى. وفى كل الأحوال عشّمه الحكام الجدد بـ«الاستقرار»، بعد قولة نعم، وفى كل مرة كان يشرب مقلباً ساخناً، فلا استقرار، بل انتقال من فوضى إلى فوضى، ومن أزمة إلى أزمة. وكل ما يملكه له الرئيس هو الكلام (كلام وبس).
وجوهر «التغفيل» أن تظن «الغفلة» فيمن هو أكثر ذكاء منك. والمصريون أذكى من حكامهم بكثير. فالمواطن يمد للإسلاميين فى حبال الصبر مداً، حتى يبين لهم آخر، وهو على عكس النخب المعارضة يملك الثقة فى نفسه، ويعلم أن الأمر لا يحتاج منه أكثر من ساعتين زمن ينزل فيهما إلى الشارع ليقلب الأمور رأساً على عقب، ويجعل عاليها سافلها، وحاكمها سجينها، لذلك فالقول الفصل سيكون للمواطن إذا بلغ به الغل من الإخوان وحكام الإخوان مبلغاً يدفعه إلى النزول لتكون النهاية الأبدية للجماعة، وإلا فقد يكون لديه حكمة معينة فى الانتظار، لكن الأمر الحتمى هو أن الشعب سيكون الطرف الذى يقرر وضع سطر النهاية فى كتاب الإخوان، حين يشاء!.