فى واحد من أقوى خطاباته، اختار العاهل المغربى فى كلمته التى ألقاها الأسبوع الماضى فى القمة الخليجية - المغربية الأولى، أسلوباً جديداً بلهجة قوية ولغة جريئة ومباشرة تعكس وعياً شاملاً بما تمر به المنطقة العربية من مخاطر، وما يحاك ضدها من مؤامرات تستهدف تشتيت الأمة وتقسيم الأوطان وزعزعة أمن واستقرار ما تبقى منها.
خرج الملك محمد السادس عن صمته، واستعمل عبارة «الخريف الكارثى» فى توصيفه لـ«الربيع العربى»، مستنداً فى ذلك إلى ما خلفه «من خراب ودمار ومآسٍ إنسانية».
كما شكك العاهل المغربى ضمنياً فى كون الثورات العربية كانت نتاجاً محلياً، بل اعتبرها نتاجاً لمؤامرة هدفها تقسيم المنطقة وإضعافها.
وبلغة أكثر قوة وجرأة، تحدث ملك المغرب عن «تحالفات جديدة قد تؤدى إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق فى المنطقة، والحديث هنا عن تحالفات أمريكا الجديدة والمريبة فى المنطقة.
أمريكا التى اختارت الإسلاميين كحلفاء جدد فى المنطقة بعد سقوط الأنظمة العربية فى 2011، وأمريكا التى استعدت مصر ولم تعترف بإرادة شعبها، الذى أفسد مخططاتها وتحالفاتها التى لم تكتمل بعد إسقاط نظام مرسى فى 30 يونيو وإسقاط مشروع الإسلاميين فى المنطقة، اختارت أيضاً معاداة المملكة السعودية بعد الاتفاق النووى الإيرانى، واختارت التقرب من طهران على حساب شركائها التقليديين فى دول الخليج، هذا دون أن ننسى موقف الإدارة الأمريكية الملتبس من قضية الصحراء المغربية، وقد عبر محمد السادس عن هذا التخبط بالقول: «إن الوضع خطير، خاصة فى ظل الخلط الفاضح فى المواقف، وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف، ومحاولات الطعن من الخلف».
وفى رده على هذا الطعن من الخلف، لم يتوان العاهل المغربى فى كلمته عن اختيار لغة صارمة وبنبرة تحدٍ قائلاً: «المغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجه فى الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسى أو الاستراتيجى أو الاقتصادى، وفى هذا الإطار، تندرج زيارتنا الناجحة إلى روسيا، كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع كل من الهند وجمهورية الصين الشعبية، فالمغرب حر فى قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأى بلد».
ملك المغرب الذى اعتبر أن لكل دولة الحق فى الدفاع عن مصالحها، جاءت رسالته، لمن يهمه الأمر عشية القمة الخليجية الأمريكية، وما يحمله هذا التوقيت من حمولة سياسية، وهى رسالة واضحة مفادها أن المغرب سيد قراره ولن يرضخ لأى ابتزاز، خصوصاً فيما يتعلق بقضية وحدته الترابية، التى خصص لها العاهل المغربى حيزاً مهماً فى كلمته وتحدث عن المناورات التى تحاك ضد الوحدة الترابية للمغرب.
ومثلما اعتبر الملك أن «أمن واستقرار دول الخليج من أمن المغرب، ما يضركم يضرنا وما يمسنا يمسكم» فقد جاء الرد الخليجى، بخصوص قضية المغرب الأولى، حاسماً ومفصلياً، حيث أكد قادة الخليج على موقفهم الداعم لمغربية الصحراء ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتى.
نقطة أخرى لم يفت الملك التنبيه إليها وهى الإرهاب، وقد أكد أنه «لا يسىء فقط لسمعة الإسلام والمسلمين، وإنما يتخذه البعض ذريعة لتقسيم دولنا، وإشعال الفتن فيها».
التهديدات فى المنطقة إذن كبيرة وتتطلب من الجميع اليقظة والانخراط الجماعى لمواجهتها من خلال «العمل الجاد، والتعاون الملموس، وتعزيز التجارب الناجحة، والاستفادة منها»، كما جاء فى وصفة محمد السادس لمواجهة كافة التحديات الراهنة، ونقطة الانطلاق من خلال تحالف عربى استراتيجى جديد يضم دول الخليج والمغرب والأردن ومصر، التى من المتوقع أن يزورها العاهل المغربى فى الأيام القليلة المقبلة بعد زيارة الملك سلمان أيضاً قبيل القمة الخليجية المغربية، فهناك نضج عربى بأن التعاون العربى والعمل المشترك هو الحل، فى انتظار أن نرى التنفيذ على أرض الواقع.