الطرفان اللذان سوف يحددان مسارات الأحداث يوم 25 يناير هما: الشباب الثورى من ناحية والمواطن العادى من ناحية أخرى. فإذا أصر الشباب على استرداد الثورة فسوف يستردها. هكذا أقولها بأعلى درجات اليقين. فالشباب لا يعرف الحلول الوسط. وهو الطرف الوحيد الذى يتحرك من أرضية «أكون أو لا أكون»، وهى نفس الأرضية التى يتحرك عليها الحكام الجدد، وبالتالى فهو الطرف الأقدر على مواجهتهم. وأقصد بالشباب هنا: الشباب الثورى الحقيقى من ناحية وشباب الألتراس من ناحية أخرى.
ولا يظنن ظان أن هذا الشباب عاجز عن مواجهة ميليشيات الإخوان والسلفيين، فذلك الظن هو أكذب الحديث بلا مراء، فعلى العكس تماماً، أجد أن المواجهة بين الطرفين ستحسم سريعاً لصالح الشباب الثورى والألتراس. ولو أنك فهمت الفارق بين شباب يهوى الانطلاق فى الشوارع كعصفور، وبين أسرى شباب التيارات الإسلامية بالمساجد، فسوف تدرك المعنى الذى أريد أن أقوله، وقد يتأكد الأمر لديك إذا تذكرت ذلك المشهد المثير لميليشيات «الدقون» وهى تجرى تدريبات الإحماء، فى حين أخذت «الكروش» فى الاهتزاز! فالشباب الثورى أخف حركة، وقد تستغرب إذا قلت لك إنه أشد إيماناً بقضيته، مقارنة بمن عاشوا عمرهم لا يفهمون الإسلام السمح إلا من منظور التجارة، فأصبحوا تجار دين بامتياز.
الطرف الثانى هو المواطن العادى الذى طفح كأس وعود التيار الحاكم حتى الثمالة، ولم يعد فى جعبة صبره سهم واحد يستطيع أن يعطيه نفساً أطول للسكات. هذا المواطن إذا قرر النزول فسوف ينتهى الأمر. ولعل أهم ما يميز هذا الطرف هو الكثرة العددية والتنوع المذهل. إنه بئر عميقة، تمكّن من ابتلاع الشرطة القمعية للمخلوع، وخاف المجلس العسكرى من الاصطدام به، وما أسهل أن يلتهم ميليشيات الإخوان والسلفيين بحيث لا يظهر لهم أثر. المشكلة الوحيدة التى تعرقل البعض عن التحفز لمواجهة المتأسلمين ترتبط بالخوف، ليس الخوف على الإسلام، فربما يكون الإسلام مستقراً فى قلوب هؤلاء البسطاء بصورة أعمق بكثير ممن نصّبوا أنفسهم متحدثين باسمه، بل الخوف من تجار الإسلام.
وفى تقديرى أن هذا الخوف سوف يتلاشى، وسوف يكون أصحاب الفضل فى ذلك هم الشباب، الذين كان لهم سابق فضل فى تحطيم جدار الخوف من شرطة «المخلوع» القمعية. فشغف هذا الجيل بالمواجهة يفوق شغفه بأى شىء آخر، وإيمانه بها ثابت لا يهتز. هذان الطرفان هما رمانة الميزان، فإذا قررا التحرك من أجل التغيير فسوف يتم حسم الأمر، ولكن يعطّل هذا السيناريو أشد التعطيل إحساس الشباب الثورى والمواطن العادى بعدم وجود بديل، بعد أن أثبتت المعارضة خيبتها القوية فى مواقف عديدة.. عموماً دع الأيام تفعل ما تشاء.. وطب نفساً بما سوف يحكم القضاء.. والقدر أيضاً!