تُشتهر محافظة سوهاج بتدين أهلها وطيبتهم، وهى من أكبر المحافظات الطاردة للسكان، والمرتفعة فى نسبة الأمية، ومع ذلك فهى من أكثر المحافظات التى تصدر للعاصمة المفكرين والعلماء والمثقفين، وتضم عددا من القرى والمراكز ذات التاريخ السابق للفتح الإسلامى كجرجا والمراغة وطهطا وشطورة ومشطا وساقلتة وجزيرة شندويل وباصونة والعرابة المدفونة.
وفى تراجم سوهاج كتب السيد أبوضيف (تاريخ إقليم سوهاج)، وعبدالله عثمان (البلدان السوهاجية)، وفى تراجم علماء المراغة كتب محمد حامد الجرجاوى: (فتح الوصيد فى تراجم علماء مراغة الصعيد)، و(مراقى البلاغة فى تراجم علماء المراغة)، وللشيخ أسامة الأزهرى فصل مهم فى موسوعته المطبوعة: (أسانيد المصريين)، حصر فيها المؤلفات التى ترجمت لأعيان مصر وقراها ومراكزها من شمالها إلى جنوبها.
بعد هذا أقول: إن الجريمة التى أعنيها لا تتناسب مع التاريخ العريق للمحافظة، هذه الجريمة تتمثل فى وجود عدد كبير مثل «وردة بدار» فى مسلسل «ذئاب الجبل»، التى سافرت مع أبيها لتتزوج حاتم على سنة الله ورسوله، ثم تقابلت مع أخيها «البدرى» الذى حن قلبه لها.
«وردة» هذه المرة لم تسافر، ورفض أهلها زواجها من كفء لها فى التعليم والشكل والمستوى الاجتماعى بسبب العصبيات العائلية، فلما كبرت الفتيات كن بين أن يتزوجن واحداً من العائلة، وغالبا ما يكون أمياً يعمل بالفلاحة، وإما أن تنضم الفتاة لطابور العانسات، وفى المقابل يحق للرجل أن يتزوج من أى عائلة، ومع حرمان الفتيات من الزواج اتجه بعضهن لفعل مخالفات محرمة، خاصة مع بلوغ الواحدة أكثر من 35 سنة، وصرنا أمام قنابل مفخخة، فتيات عانسات، يُمنعن من الزواج، يمضى بهن العمر، أمام انتشار وسائل الإغراء من فضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى، فيقعن فى الحرام أو يَحُمْنَ حوله، وكل ذلك من وراء آبائهن الذين تسببوا فى هذه الجريمة الشنيعة ظناً منهم أنهم بهذا يحفظون بناتهم، ولا يدرون أنهم يلقون بهم فى سكة الندامة بسبب العصبية المنبوذة والعادات السيئة.
أتحدث عن معلومات أكيدة، وقد تواصلت مع العشرات من أهل سوهاج وقرى ومركز البلينا خصوصا، إذ لا توجد المشكلة فى طهطا وطما والمراغة، بل البلينا وما حولها، وأيضاً توجد فى قنا وأسوان، وجمعيات حقوق المرأة لا تتحرك، والإعلام لا يعتنى، والسياسيون فى وادٍ آخر، والخطباء يتحسسون من طرح الموضوع، والأحزاب مشغولة باستغلال الأمية والجهل والفقر فى هذه البلاد فى صناديق الانتخابات، ووصل الأمر إلى أن صديقا حذرنى من الكتابة فى الموضوع، بل هناك فتاة تزوجت زواجا شرعيا من كفء لها، وعاشا فى القاهرة فذهب أهلها إليها وقتلوها هى وزوجها!
ومع ذلك استبشرت بمجهودات على طريق رفع هذا الظلم وتلك الجريمة، ظهرت فى كلام الأستاذ حشمت بخيت حيث قال:
«هذه عادات ذميمة فى بلداننا، بها نحرم ما أحل الله، ونمنع المسلم من زواجه من مسلمة دون سبب غير أنه مخالف لها فى العصبية، وكأنه مخالف لها فى الديانة، ونستحل تطليق من سبق له الزواج بمن تخالفه فى عصبيتها، وهذه مخالفات صارخة للإسلام».
كما وصلنى كلام طيب مثل هذا من الدكتور ماهر السيد محمدين، والأستاذ محمد هشام، والدكتور رأفت السيد، والشيخ عامر أبوالحسن، والدكتور حسن على، والدكتور محمد فرج صبرة، والأستاذ عبدالرازق ثابت، وغيرهم كثير، يعارضون تلك العادات، وما زلنا ننتظر منهم ومن إخوانهم خطوة عملية حقيقية لمنع هذا الظلم، ولتكون هذه الخطوة سنةً حسنةً لهم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.