كانت أمريكا مرتبكة حتى جاء أسامة بن لادن.. كان الارتباك فى الفكر والسياسة.. فى الفلسفة السياسية الحاكمة للولايات المتحدة. فقد عاشت الإمبراطورية الأمريكية طويلاً على نظرية العدو السوفيتى.. والصراع بين الرأسمالية والاشتراكية.
(1)
حين حلّ زوال الاتحاد السوفيتى.. فقدت النظرية أساسها الفكرى.. وإطارها السياسى.. وأصبحت أمريكا أشبه بقوةٍ عملاقة بلا إطار.. أو هى قوة هائمة تحيا فى الفراغ.
جاء أسامة بن لادن.. فقام بإنهاء حالة الارتباك وبدأ عملية «ملء الفراغ».. وأصبح «الإسلام» هو العدوّ الجديد.. لتعود النظرية الحاكمة للفكر الأمريكى مع بعض التعديلات التى تناسب ضعفَ «المسلمين».. الأعداء الجُدُد.
(2)
لقد كان عالم السياسة الأمريكى «صمويل هنتنجتون» دقيقاً للغاية فى وصف ما جرى.. واستشراف ما سيجرى.
قال صاحب «صدام الحضارات» فى شرح المعضِلة وحلِّها.. وفى تأسيس النظرية السياسية الأمريكية الجديدة: «لقد حدّد بن لادن هوية أمريكا.. بأنها أمة مسيحية منذ 11 سبتمبر 2001».. «قام أسامة بن لادن بحلّ مشكلة العدوّ.. وحلّ مشكلة الهوية الأمريكية».. «كانت هناك مشكلة أمريكية كبرى فى تعريف وتحديد هوية أمريكا.. إلى أن جاء بن لادن وقام بحلّها».. «أصبحت (أمريكا المسيحية) فى مواجهة الإسلام».
ويحسم «هنتنجتون» رؤيته فى قولةٍ واحدةٍ: «لقد أدى الإسلام الدور الذى قام به الاتحاد السوفيتى.. وتسلّم بن لادن الراية من ميخائيل جورباتشوف».
(3)
هكذا فَعَلَ أسامة بن لادن.. وهكذا تحدَّثَ «صمويل هنتنجتون». لكن «العدو الجديد».. ليس بقوة العدو القديم. كان الاتحاد السوفيتى إمبراطوريةً وقوةً عظمى.. وكان يحكم نصف العالم.. أما العالم الإسلامى.. فلا هو قوةٌ ولا عظمى.. وباستثناء عدد قليل من الدول الإسلامية.. فإن أغلب بلدان المسلمين فى آسيا وأفريقيا تعانى الفقر والجهل والمرض.
كانت موسكو تحكم الإمبراطورية السوفيتية حتى سقوطها بكامل القوة والسيادة.. ولكن عدداً من الدول الإسلامية.. بلا قوة ولا سيادة.. حروب أهلية.. وانقسامات جغرافية.. وقواعد أجنبية.. وحشود هائلة من الإرهابيين العابرين للقارات.
كان الاتحاد السوفيتى سباقاً فى علوم الفضاء.. ومنافساً فى السلاح النووى.. ومتصدّراً فى صناعة الصواريخ.. ومخيفاً فى استراتيجية الردع.. أمّا العالم الإسلامى.. فإنه فى معظم أجزائه.. يستورد الطعام والسلاح.. وتحيا بعض دولِهِ خارج العلم.. وخارج العصر.
لقد أصبح المسلمون بذلك.. فرصةً تاريخيةً للقيام بدور العدو.. ذلك أن الحركات المتطرفة هى حركات زاعقة.. وهى المصدر الأول للضجيج السياسى فى العالم.. وهى -على ذلك- مؤهلةٌ تماماً للقيام بالدور.. المهم للغاية والسهل للغاية.
وأصبحت الإمبراطورية الأمريكية التى هزمتْ الإمبراطورية السوفيتية قبل قليل.. إمبراطوريةً محظوظةً.. ذلك أنها لن تعانى أبداً فى تطبيق النظرية السياسية الجديدة.. فالعدوّ كفيلٌ بنفسه.. والحركات الإسلامية كفيلة بإدارة المعركة بالوكالة.. وإنهاك أمّة هى منهكةٌ بالفعل.. ووضع المسلمين فى دائرة التآكل الذاتى.. ليصبحوا جميعاً.. بعضهم لبعض عدوّ!
(4)
أصبح المسلمون فى نكبةٍ كبرى وكربٍ عظيم.. وكان الآخرون يضحكون ملء أفواههم وهم يتابعون تصريحات قادة القاعدة: «يجب ردم قناة السويس.. من أجل إمكانية انتقال الجيوش الإسلامية بين مصر والشام بالسرعة المطلوبة، كما يجب تضييق باب المندب.. من أجل منع عبور حاملات الطائرات والبوارج»!
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر