كشفت الأزمة الحالية بين وزارة الداخلية ونقابة الصحفيين عن هوة بين احترام حقوق الإنسان وإنفاذ القانون، وذلك على أثر اقتحام الأمن للنقابة للقبض على اثنين من الصحفيين المطلوبين بأمر من النيابة العامة على ذمة تحقيقات فى اتهامات بالدعوة إلى التظاهر ونشر معلومات حول موقف الحكومة المصرية من جزيرتى تيران وصنافير، وإبرام معاهدة بين الحكومة والمملكة العربية السعودية على أثرها تم نقل السيادة على الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية، وترتب على هذه الدعوة خروج مظاهرات احتجاجية فى القاهرة والمحافظات قوبلت بإجراءات أمنية مشددة وإلقاء القبض على عشرات الشباب وإطلاق سراح البعض وإحالة البعض الآخر للنيابة العامة وصدور قرارات بالحبس الاحتياطى ضد 25 من الشباب وطلب ضبط وإحضار بحق الصحفيين (بدر والسقا) صحفيى بوابة يناير وهى جريدة إلكترونية معارضة.
بالطبع من حق الشرطة أن تحرر مذكرة تحريات وتطلب من النيابة العامة الإذن بالضبط والإحضار لكل من ارتكب جريمة أو يقوم بالتحضير لارتكاب جريمة معاقب عليها بقانون العقوبات، فهذا أمر يكفله القانون وهو أساس دولة سيادة القانون، وهى ملتزمة بهذا بعدة مبادئ أساسية، أهمها أن تكون التحريات جادة ومن مصادر موثوق فيها وعلى النيابة أن تستوثق من جدية التحريات حتى تعطى الإذن بالضبط والإحضار، حتى لا يتم استخدام هذه الرخصة فى الاعتداء على الحريات الأساسية للمواطنين، والسؤال هنا حول تنفيذ هذا الإذن ما الضوابط التى ينص عليها الدستور والقانون والتى يجب أن تلتزم بها وزارة الداخلية؟
فلا يجوز أن تتضمن مذكرة التحريات بشأن صحفيين كانت كل التهم الموجهه إليهما تتعلق بكتابات معارضة ناقدة للحكومة وسيادتها ولاتفاقية أبرمتها تتعلق بالجزر المصرية فى البحر الأحمر، فلا يجوز أن توضع فى مذكرة التحريات حيازة للأسلحة والمولوتوف، الأمر الذى لا تمتلك معه النيابة العامة إلا إعطاء الإذن بالضبط والإحضار، رغم أن التحقيق كان فى نشر أخبار كاذبة أو التظاهر، وهى التهم التى سألت فيها النيابة المتهمين فقط، وبالطبع لم يصاحب القبض على الصحفيين ضبط لأى نوع من الأسلحة أو الذخائر، فخصومة الشرطة أو النيابة خصومة شريفة ليس فيها انتقام.
أما الخلاف الذى خلق الأزمة فيتعلق بالدخول إلى مقر النقابة دون إخطار النقيب أو مجلس النقابة بالمخالفة الصريحة لقانون نقابة الصحفيين 1970 المادة 76، التى نصت على عدم جواز الدخول إلى النقابة للتفتيش أو وضع أختام إلا بحضور عضو نيابة عامة، وهو الأمر الذى نقيس عليه دخول رجال السلطة العامة لضبط متهم صادر به إذن من النيابة العامة بضبطه، وذلك إعمالاً للنص الدستورى الذى يؤكد استقلال النقابات المهنية، وقد جرى العرف بالإضافة إلى هذا النص الخاص بنقابة الصحفيين أن تحترم وزارة الداخلية استقلال النقابات، وحتى لو أن هناك أشخاصاً مطلوبين ويحتمون بالنقابة يتم إخطار النقيب الذى يلزمه القانون والدستور بنصح الأعضاء بتسليم أنفسهم إلى السلطات، وإلا فمن غير المقبول استمرار وجودهم بالنقابة، وفى كل الحالات المماثلة بنقابة المحامين كان يتم تفويض محامى النقابة للذهاب مع الأعضاء للنيابة للاستجواب والتحقيق وهذا هو واجب النقابة وفقاً للقانون.
لا شك أن الأزمة الحالية مع الصحفيين كان سببها الرئيسى اقتحام النقابة لتنفيذ أمر ضبط وإحضار، ورغم قانونية هذا الأمر فإنه تم تنفيذه بطريقة أثارت غضب الصحفيين المصريين، الأمر الذى يتطلب أن تسعى وزارة الداخلية لاحتواء الموقف وعدم التصعيد، فتحقيق الأمن واحترام القانون لا يتناقض أبداً مع احترام معايير ومبادئ حقوق الإنسان، وخلق تناقض بين الأمن وحقوق الإنسان لا يخدم دولة سيادة القانون.