حراك تعيشه المنطقة العربية على مستوى القمة وتترجمه الزيارات المتتالية والمتبادلة بين القادة العرب، فبعد زيارة الملك سلمان إلى مصر، عقدت بالمملكة السعودية القمة الخليجية - المغربية الأولى، تلتها سلسلة لقاءات ثنائية أجراها العاهل المغربى مع قادة الخليج، ثم زيارة ملك الأردن إلى السعودية وزيارة ملك البحرين إلى مصر، فى انتظار زيارة ملكية مغربية إلى مصر. وواقع الحال يقول إن هناك شيئاً ما يتم الإعداد له بين قادة المنطقة، وربما سيتم الإعلان عنه مستقبلاً، سواء كان على المستوى الثنائى، أو تحالف عربى جديد.
وبينما تكثر القراءات والتكهنات، إلا أن الأمر الأكيد أن هذه التحركات العربية تأتى فى وقت حاسم تعاد فيه خريطة التحالفات فى المنطقة والعالم، بعد أن أدارت أمريكا ظهرها لحلفائها التقليديين واختارت نهج سياسة جديدة لا تتوافق فى أى حال مع ما ورد فى خطاب الرئيس باراك أوباما فى القاهرة فى 2008، حيث أثبت هذا الأخير، وعلى مدار سنوات ولايته الأولى والثانية أنه لم يكن عند مستوى ثقة العرب، وأنه لم يلتزم بأى من القضايا العربية.
فما كان ثابتاً فى العلاقات الأمريكية السعودية بات يخضع اليوم لقاعدة المتغير، بعد أن أبانت أمريكا عدم رغبتها فى استمرار تحالفها التاريخى اللا محدود مع السعودية.
فالمصالح التى جمعت البلدين على مدى 71 عاماً، سواء تعلق الأمر بالنفط، أو صادرات السلاح والموقف من إسرائيل، وغيرها من الملفات التى وحدت سياسات البلدين، قد باتت على المحك وفق المتغيرات الجديدة.
وتصريحات «أوباما» فى مجلة «أتلانتك» الأمريكية، وانتقاداته شديدة اللهجة للسعودية، واتهامه لها بـ«الركوب» على السياسات الخارجية الأمريكية، كلها أمور وتّرت العلاقات بين البلدين أكثر، وما يزيد الوضع تعقيداً بين البلدين هو اختلاف جذرى فى الرؤى، ففى الوقت الذى تريد أمريكا أن تفرض واقع تنحية السعودية وإيران، خلافاتهما جانباً، واتفاقهما على تقسيم المنطقة بينهما، فإن السعودية ترفض هذا الطرح ولا تعتبره خياراً أساساً، بالإضافة إلى أن هناك قناعة لدى النخب السياسية السعودية بأن الاتفاق النووى الإيرانى يأتى لتعزيز وضع طهران الإقليمى، وأنه جاء على حساب العلاقات مع بلدان مجلس التعاون الخليجى.
هذا بالإضافة إلى مجموع الملفات المفتوحة فى أمريكا حالياً، التى تصب جميعها ضد مصلحة المملكة، ومنها حظر بيع الأسلحة إلى السعودية بعد تحميل المملكة المسئولية عن هجمات 11 سبتمبر، حيث يناقش «الكونجرس» الأمريكى مشروع قانون يسمح لضحايا الهجمات بمقاضاة دول ومنظمات دعمت «الإرهاب» على الأراضى الأمريكية أمام محاكم فيدرالية أمريكية، ما قد يجعل السعودية ربما تجد نفسها أمام القضاء الأمريكى إذا ما تم إثبات علاقتها بالهجمات.
من ناحية أخرى، العلاقات المصرية - الأمريكية متوترة منذ ثورة 30 يونيو، فيما لا تبدو العلاقات المغربية الأمريكية فى أحسن حالاتها، فبعد الموقف الأمريكى الأخير فى مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء المغربية، وتوجه أمريكا إلى القبول بإمكانية فصل الصحراء عن مغربها، يشكل طعناً فى ظهر المغرب، الذى طالما كان حليفاً استراتيجياً لأمريكا، وتهديداً لأمن وسلامة بلد يعتبر بشهادة الجميع البلد الوحيد المستقر فى المنطقة.
فى المجمل نستطيع القول إن هناك جواً من الإحباط وخيبة الأمل والغضب العربى إزاء المواقف الأمريكية الجديدة والسياسات التى ينتهجها أوباما فى الشرق الأوسط، لكن ما يمكن أن نراه إيجابياً فى هذا التوتر هو هذه الدينامية العربية الجديدة التى عبرت عنها هذه الزيارات المختلفة، مما يعطى انطباعاً أن العالم العربى يتجه نحو تقرير مصيره والاتفاق على تشكيل قوة موحدة لمواجهة السياسات والتوجهات الأمريكية الجديدة.
واذا كان المغرب يتجه نحو بناء تحالفات جديدة من خلال انفتاحه على روسيا والهند والصين، فالسعودية بدأت ترسم استراتيجية جديدة تستند إلى الاعتماد على إمكاناتها الذاتية وبناء تحالفات إقليمية من أجل الحفاظ على أمنها، وتحقيق سياساتها فى المنطقة. أما ما ننتظره كشعوب، فهو أن تتوحد المواقف العربية وتتكاثف جهودها لخلق تحالف استراتيجى عربى متوازن بين القوى الثلاث، مصر والمغرب والسعودية، يعيد للعرب هيبتهم وللمنطقة استقرارها.