وزير الزراعة ومساعده كانا فى انتظار كل محتال يطرق بابهما
«هلال» داخل القفص
«الوطن» تنشر أسباب الحكم فى قضية «الفساد الكبرى»
تنشر «الوطن» حيثيات الحكم الصادر، فى 11 أبريل الماضى، من محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار أسامة عبدالشافى الرشيدى، وعضوية المستشارين إسماعيل عوض إسماعيل وعمرو محمد فوزى وأمانة سر أحمد فهمى، فى قضية «فساد وزارة الزراعة»، والذى يقضى بمعاقبة صلاح هلال وزير الزراعة السابق بالسجن المشدد 10 سنوات وتغريمه مبلغ مليون جنيه وعزله من وظيفته، وبالسجن المشدد 10 سنوات للمتهم محيى الدين محمد سعيد قدح، وتغريمه مبلغ 500 ألف جنيه وعزله من وظيفته، وبمصادرة العطايا المأخوذة، لإدانتهما بطلب وأخذ عطايا ورشاوى مقابل تقنين إجراءات وضع يد على قطعة أرض بوادى النطرون، وبإعفاء المتهمين الثالث والرابع أيمن الجميل ومحمد فودة من العقوبة. وقالت المحكمة، إن المتهمين الأول والثانى «هلال وقدح»، سعيا لتحقيق كسب غير مشروع جراء الاتجار بالوظيفة العامة وخيانة الأمانة التى حملا إياها، من خلال ما طلباه وحصلا عليه من مغانم مادية، ومن المتهم الثالث «أيمن الجميل» بوساطة المتهم الرابع «محمد فودة»، بل واجترآ على إفساد المعانى والقيم النبيلة التى يسمو بها الفرد للتقرب من رب العباد وجعلا الطريق إليها يمر عبر وسائل حقيرة وأموال قذرة.
المحكمة: الإعفاء «رخصة» لإفساد الموظف.. ونناشد المشرع إعادة النظر فى العقوبة
حيث إن الواقعة حسبما استقرت فى يقين المحكمة واطمأن إليه ضميرها وارتاح إليه وجدانها مستخلصة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسات المحاكمة تتحصل فى أنه وبتاريخ 2/9/2014 تقدم المتهم الثالث أيمن محمد رفعت عبده الجميل بصفته رئيس مجلس إدارة شركة كايرو ثرى إيه للإنتاج الزراعى والحيوانى بطلب للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية يلتمس فيه اتخاذ إجراءات تقنين وضع يد الشركة على مساحة 2500 فدان (ألفان وخمسمائة فدان) من الأراضى الخاضعة لولاية الهيئة وذلك استناداً إلى التنازل الصادر من عبدالله عبدالحميد إبراهيم سعد ممثل شركة الريف الأوروبى عن هذه المساحة بموجب التوكيل رقم 1836 الصادر بتاريخ 13/5/2007 إلى المدعو فؤاد إبراهيم كوهيه والذى تنازل بدوره عن هذه المساحة لشركة كايرو ثرى إيه بموجب التوكيل رقم 1377 لسنة 2014، ولما أدرك المتهم الثالث أيمن محمد رفعت عبده الجميل أن إجراءات تقنين وضع يد شركته على مساحة الأرض سالفة البيان مهددة بالإرجاء، رأى أنه لا مناص من الالتجاء إلى المتهم الرابع المنقذ والمخلص محمد محمد محمود أبورويشد فودة الذى يثق فى كفاءته وقدرته الفائقة على النفاذ لضمائر وذمم الموظفين العموميين الفاسدين كبارهم قبل صغارهم، وكلفه بتنفيذ الخطة البديلة لإخضاع صناع القرار فى وزارة الزراعة التى تتبعها الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية وذلك بإغوائهم وشراء ضمائرهم وذممهم وتقديم الرشى إليهم لاستصدار القرار المنشود بتقنين وضع يده على أرض الدولة ومالها.
وتنفيذاً لهذا التكليف بدأ المتهم الأخير نسج خيوطه حول قمة الهرم الإدارى فى وزارة الزراعة وزيرها المتهم الأول صلاح الدين هلال محمود ومساعده المتهم الثانى محيى الدين محمد السيد عبده نصر قدح وللحقيقة فإن المتهم الرابع لم يبذل جهداً كبيراً فى محاولته إخضاع المتهمين المذكورين وإغوائهما وصولاً لمقصده فالجلى أنهما كانا مهيأين للإغراء والإغواء وكأنهما كانا فى انتظار كل محتال أفاق يطرق بابهما الذى يجلسان خلفه على كرسى الحكم فى الوزارة ليقدم لهما مالاً حراماً يبيعان به - ولو كان بخساً - أمانة الوظيفة العمومية وكرامتها بل وأمانة وعهداً أقسما على الحفاظ عليه فنكلا وخنسا واستبدلا الخسة والعار بالشرف والأمانة.
«الجميل» استعان بـ«فودة» لثقته فى كفاءته وقدرته على النفاذ لضمائر وذمم الموظفين الفاسدين
وتابعت المحكمة، أن المتهم الرابع استخرج للمتهمين سالفى الذكر عضويتين تبادليتين بالنادى الأهلى وقدم بطاقاتهما إليهما بتاريخ 30/4/2015 إلا أن المتهم الأول طلب منه أن تكون عضويته وأسرته فى النادى عاملة، فوافق المتهم الثالث على ذلك ودفع للرابع مبلغ مائة وأربعة وعشرين ألفاً وثلاثمائة وخمسة وسبعين جنيهاً قيمة نفقات هذه العضوية العاملة للمتهم وأسرته فاستخرج المتهم الرابع بطاقات العضوية بعد أن دفع تكاليفها وقدمها للمتهم الأول بمكتبه بالوزارة فوعده الأخير بإنهاء إجراءات تقنين وضع يد الشركة على الأراضى خلال أسبوع، ثم وبتاريخ لاحق التقى المتهم الرابع بالمتهم الثانى وابن المتهم الأول - محمد - وزوجته واستخرج لهما بطاقة عضوية تابعة بالنادى الأهلى للرياضة البدنية لقاء مبلغ خمسة آلاف جنيه دفعها المتهم الثالث.
كما أبدى المتهمان الأول والثانى للمتهم الرابع رغبتهما فى أن يشرى لهما ملابس وأحذية على سبيل الرشوة فأحاط المتهم الثالث علماً بهذه الرغبة الآثمة فوافق على تلبيتها، ونفاذاً لذلك توجه المتهم الرابع وبصحبته المتهم الثانى مرة بتاريخ 3/5/2015 إلى متجر الشركة المصرية الأوروبية للمعارض والتجارة (إيجو) ومرتين المتهم الثانى صحبة المتهم الأول وابنه هلال بتاريخ 22/5/2015، 5/6/2015 إلى ذات المتجر وأخذا - المتهمان الأول والثانى - لهما ولابن الأول ملابس وأحذية بلغت قيمتها ما يربو على مائتين وخمسين ألف جنيه دفعها المتهم الثالث، كما وبتاريخ 12/7/2015 توجه المتهم الثانى إلى فندق الفورسيزون محل إقامة المتهم الرابع وطلب منه أن يشرى له وللمتهم الأول من متجر «بايمن» ملابس بلغت قيمتها سبعة وثلاثون ألفا وتسعمائة وعشرة جنيهات دفع قيمتها المتهم الثالث، وبتاريخ 24/7/2015 أخذ المتهم الثانى من ذات المتجر ملابس بلغت قيمتها خمسة عشر ألفا وخمسمائة وثلاثة وستين جنيهاً دفعها المتهم الثالث، وبتاريخ 31/7/2015 أخذ المتهم الثانى من ذات المتجر ملابس له بلغت قيمتها أحد عشر ألفا وتسعمائة وأربعين جنيهاً، وأخرى للمتهم الأول بلغت قيمتها سبعة عشر ألفا وخمسمائة وسبعين جنيهاً، كما أخذ المتهم الثانى لنفسه من ذات المتجر فى توقيت لاحق ملابس بلغت قيمتها ثلاثة عشر ألفا ومائة وواحدا وأربعين جنيهاً دفع قيمتها جميعاً المتهم الرابع من أموال المتهم الثالث على سبيل الرشوة للمتهمين الأول والثانى.
النيابة العامة ضبطت «هلال» مرتدياً بذلة وحذاءً من عطايا الرشوة وملابس أخرى وهاتفاً محمولاً فى مسكنه.. والتسجيلات تمت وفق صحيح القانون بين المتهمين وعلى هواتفهم وبإذن من النيابة العامة أقروا بها
وفى إطار سعيهما المحموم للكسب الحرام والاتجار بالوظيفة العامة وخلال لقاء المتهم الرابع بالمتهمين الأول والثانى بمكتب المتهم الأول بديوان الوزارة لحثهما على الانتهاء من إجراءات تقنين وضع يد الشركة المملوكة للمتهم الثالث على الأراضى الخاضعة لولاية الهيئة العامة للتعمير والمشروعات الزراعية التابعة لوزارة الزراعة التى يترأسها المتهم الأول ويساعده المتهم الثانى فى إدارتها وتسيير شئونها والإشراف على أعمالها طلب منه - كلاهما - لنفسه وعلى سبيل الرشوة هاتفاً محمولاً فاشترى لهما - فى إطار اتفاقه مع المتهم الثالث على تلبية رغباتهما الآثمة - هاتفين محمولين آى فون 6 ماركة (هواوى) بلغت قيمتهما مبلغ عشرة آلاف وستمائة وثمانية وتسعين جنيهاً دفعها المتهم الثالث وسلمهما للمتهم الأول بواسطة الثانى، كما اشترى للمتهم الثانى هاتف ماركة هواوى ثمنه أربعة آلاف وأربعمائة وتسعة وتسعين جنيهاً سلمه له ودفع قيمته المتهم الثالث. ولم يقتصر سعى المتهمين الأول والثانى لتحقيق كسب غير مشروع جراء اتجارهما بالوظيفة العامة وخيانة للأمانة التى حملا إياها على ما طلباه وحصلا عليه سلفاً من مغانم مادية من المتهم الثالث بوساطة المتهم الرابع، بل لقد اجترآ على إفساد كل المعانى والقيم النبيلة التى يسمو بها الفرد للتقرب من العباد ورب العباد فجعلا الطريق إليها يمر عبر وسائل حقيرة وأموال قذرة، فها هو المتهم الأول وقد أراد - حسبما صور له خياله المريض - أن يود ويصل رحمه فى ليلة من ليالى شهر رمضان الفضيل فإذا به يطلب من المتهم الثالث بوساطة المتهمين الثانى والرابع أن يعد له ولثمانية عشر فرداً من أقاربه إفطاراً بفندق «كمبنسكى» بالتجمع الخامس فوافق المتهم الثالث على ذلك وأعد له ولأقاربه وللمتهم الثانى وأسرته الإفطار الموعود وحجز له غرفاً بالفندق المشار إليه حتى يستريحوا فيها ويؤدوا بها صلواتهم المفروضة والنافلة، كل ذلك على سبيل الرشوة ليحققوا للمتهم الثالث مراده فى تقنين وضع يده على أراضى الدولة الخاضعة لولاية الهيئة التى تخضع لرئاستهما وإشرافهما، وعندما اقترب موسم الحج وقد أراد المتهمان الأول والثانى أن يتقربا لله زلفى عسى أن يكفر عنهما خطيئاتهما ويغفر لهما ما تقدم من ذنبهما وما تأخر سولت لهما نفساهما أن ذلك من الممكن أن يتم عبر الصفقة الملعونة التى أبرماها مع المتهمين الثالث والرابع فطلبا من المتهم الثالث بوساطة المتهم الرابع أن يؤديها - هما - وزوجة الأول وابنته وشقيقه وشقيقته وزوجها وابنها وزوجة المتهم الثانى وابنه ووالداه فريضة الحج لبيت الله الحرام، فوافق المتهم الثالث على ذلك وعلى تحمل نفقات الحج - كجزء من صفقة الرشوة المتفق عليها - لإنجاز عملية الاستيلاء على أراضى الدولة التى يبغى تحقيقها، وفيما رأى المتهم الأول أن الجائزة الكبرى التى يتعين أن يحصل عليها - على سبيل الرشوة - لإنجاز ما وعد المتهمين الثالث والرابع بتحقيقه قد حان قطافها طلب من المتهم الثالث بوساطة المتهم الرابع أن يهبه فيلا له ولأسرته ومكاناً تقيم فيه ابنته - هالة - صيدلية لها فوافق المتهم الثالث على طلبه، وتحقيقاً لهذا الغرض عاين بصحبة المتهم الرابع عدداً من العقارات بمنتجع مكسيم الملحق بفندق كمبنسكى بالقاهرة الجديدة ومدينة السادس من أكتوبر اختار إحداها لتكون جائزته الكبرى.
المتهمان اجترآ على إفساد المعانى والقيم النبيلة التى يتقرب بها العبد إلى ربه وجعلا الطريق بأموال قذرة.. والمتهم الأول طالب فى إحدى ليالى رمضان بمأدبة إفطار وحجز غرفاً لتأدية الصلاة من الرشوة
وأشارت المحكمة، إلى أن عمرو توفيق حسن عضو هيئة الرقابة الإدارية شهد بأنه بورود معلومات إليه، أكدتها التحريات، مفادها طلب المتهم الثانى محيى الدين محمد سعيد عبده نصر قدح مساعد وزير الزراعة واستصلاح الأراضى عطايا عينية على سبيل الرشوة من المتهم الثالث أيمن محمد رفعت عبده الجميل رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمجموعة شركات كايرو ثرى إيه - بوساطة المتهم الرابع محمد محمد محمود أبورويشد فودة - كاتب صحفى والمستشار الإعلامى للمجموعة - مقابل إنهاء إجراءات تقنين وضع يد شركة كايرو ثرى إيه للإنتاج الزراعى والحيوانى على مساحة ألفين وخمسمائة فدان بمنطقة وادى النطرون بمحافظة البحيرة وصولاً إلى تملكها، فاستصدر أذون النيابة العامة لتسجيل المحادثات الهاتفية بين المتهمين ولقاءاتهم، وأسفر تنفيذها عن تأكيد ما توصلت إليه تحرياته، وكذا طلب وأخذ المتهم الأول صلاح الدين هلال محمود هلال - وزير الزراعة واستصلاح الأراضى عطايا عينية على سبيل الرشوة من المتهم الثالث بوساطة المتهم الثانى والرابع مقابل تقنين وضع يد شركة المتهم الثالث على المساحة المشار إليها.
كما شهد ماهر محمد محمد محمود أبورويشد فودة ابن المتهم الرابع أنه بتاريخ 29/5/2015 كلفه والده بشراء هاتف محمول طراز هواوى مماثل لآخر سبق واشتراه من شركة اتصالات مصر فرع شارع البطل أحمد عبدالعزيز بالمهندسين بقرابة مبلغ أربعة آلاف جنيه سددها والده.
«هلال وقدح» أرادا أداء فريضة الحج عسى أن يغفر الله لهما ذنوبهما فسولت لهما نفساهما إتمام ذلك بصفقة ملعونة
وأوضحت المحكمة، أنه ثبت من اطلاع النيابة العامة على المضبوطات بحوزة المتهم الرابع بغرفته رقم 2203 بفندق فور سيزونز بجاردن سيتى أن من بينها أصل جوازى سفر زوجة المتهم الثانى وابنه وصوراً ضوئية من جوازات سفر المتهم الأول وزوجته وابنته وشقيقه وشقيقته وزوج شقيقته وابنها، وكذا صور ضوئية من جوازات سفر المتهم الثانى ووالده ووالدته وزوجته، وكذا برنامج رحلة الحج المقررة ومواقيت سفرهم ومدد إقامتهم.
كما استمعت المحكمة إلى الشاهد الثلاثين مهاب عبدالرؤوف على مرسى المدير التنفيذى للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية فشهد أنه وبعد توليه منصبه بالهيئة حضر له الشاهد الثامن والعشرون المهندس هشام فاضل وأبلغه أن ملف طلب شركة كايرو ثرى إيه به مشاكل وغير منضبط وأنه أبلغ هيئة الرقابة الإدارية بهذا الأمر، وأنه هو أيضاً قام بإبلاغ هيئة الرقابة الإدارية بهذه المعلومة، ثم وبعد فترة حضر إليه الشاهد سالف الذكر وأبلغه أن هناك ضغوطاً تمارَس عليه من المتهمين الأول والثانى لإنهاء إجراءات تقنين وضع يد الشركة سالفة الذكر رغم أن الإجراءات المعمول بها فى الهيئة فى ذلك الوقت تحظر تقنين وضع يد الشركات وأن الوزير طلب ملف الشركة ليتم عرض موضوعه على مستشار قانونى آخر وبعد تغيير المستشار القانونى قرر ذلك الأخير أن طلب الشركة سليم وأوصت اللجنة الفنية بعرض الموضوع على مجلس إدارة الهيئة دون العرض على لجنتى البت والتثمين، وبالفعل تم إدراج موضوع تقنين وضع يد الشركة سالفة الذكر على جدول اجتماع مجلس إدارة الهيئة المقرر انعقاده فى 4/8/2015، إلا أن هيئة الرقابة الإدارية اتصلت به وطلبت منه سحب هذا الموضوع من جدول أعمال المجلس وهو ما تم بالفعل أثناء عقد الاجتماع.
وردت المحكمة على الدفوع، التى أثارها محامو المتهمين، ومنها الدفع المثار من دفاع المتهمين الأول والثانى ببطلان مراقبة وتسجيل المحادثات التليفونية التى تمت بين متهمين غير الصادر قبلهم إذن النيابة العامة لتجاوز حدود هذا الإذن استناداً لنص المادة 57 من الدستور لامتداد المراقبة والتسجيلات إلى أشخاص آخرين غير المتحرى عنهم الذين تضمنهم الإذن وإلى غير الهواتف الواردة فيه، بقولها إنه من المقرر أنه لا على المحكمة إن قضت بإدانة المتهم دون أن تعول فى قضائها على دليل مستمد من إجراء باطل ما دامت قد استندت فى تكوين عقيدتها إلى أدلة أخرى لا صلة لها بهذا الدليل، ولما كان الثابت أن المحكمة لم تعول فى قضائها على أية تسجيلات لمحادثات تمت بين المتهمين الثلاثة الصادر أذون النيابة العامة بمراقبة وتسجيل محادثاتهم الهاتفية على هواتفهم المبينة أرقامها بهذه الأذون وبين أشخاص وهواتف خارج نطاق هذا الإذن تم تسجيلها عرضاً أثناء تسجيل محادثات المتحرى عنهم وإنما عولت فى قضائها بالإدانة على أدلة أخرى. ومنها تسجيلات تمت وفق صحيح القانون بين هؤلاء وعلى هواتفهم المشمولة بالإذن تم تفريغها بتحقيقات النيابة وبمعرفة الخبير الفنى وأقر بها هؤلاء المتهمون تفصيلاً بالتحقيقات ولم ينكروا أياً منها واعترافات للمتهمين الثالث والرابع وإقرارات المتهمين الأول والثانى بتحقيقات النيابة فضلاً عن أقوال شهود الواقعة وهو ما تنتهى معه المحكمة إلى أن هذا الدفع غير سديد متعيناً رفضه.
وعن دفع محاميى المتهمين الأول والثانى ببطلان إذن النيابة العامة المؤرخ 20/5/2015 وجميع الأذون اللاحقة عليه بالتسجيل والتصوير لكونها وسيلة لجمع المعلومات واستكمال التحريات.
وحيث إنه عن دفع محامى المتهم الأول ببطلان أقوال المتهمين الثانى والثالث والرابع بالتحقيقات لأنها كانت مشوبة بعيب الإكراه والوعيد حيث تم احتجازهما بمقر هيئة الرقابة الإدارية يوماً كاملاً وهو لا يعد من السجون وفقاً للقانون فإن هذا الدفع غير سديد ذلك أن قرار السيد وزير الداخلية رقم 2028 لسنة 2013 قد نص على اعتبار بعض المبانى التابعة لهيئة الرقابة الإدارية من الأماكن المرخص بإيداع المتهمين فيها وذلك فى القضايا التى يتم ضبطها بمعرفة الهيئة وفقاً للضوابط المقررة فى هذا الشأن، ومن ثم فإن القول بأن مبنى الهيئة الذى تم احتجاز المتهمين فيه فى ذلك اليوم لا يعد من السجون التى يجوز احتجاز المتهمين به مخالف للقانون، فضلاً عن أن أياً من المتهمين الثانى والثالث والرابع وخلال تحقيقات النيابة العامة أو مثوله أمام المحكمة لم يدّع أن إكراهاً أو وعيداً قد حاق به ولم ينكر أيهم شيئاً من أقواله التى قال بها بالتحقيقات وهو ما لا ترى معه المحكمة أن عيباً قد شاب إرادة أى منهم على نحو يستوجب عدم التعويل عليها ومن ثم فإن المحكمة تلتفت عن هذا الدفع.
أما عما دفع به المتهم الثانى الاتهام المسند إليه من أنه سلم العقيد أحمد الزارع عضو هيئة الرقابة الإدارية ملف شركة كايرو ثرى إيه عند نشر خبر بجريدة الفجر بوجود فساد وزارة الزراعة، وأنه استجاب للأخير عندما طلب منه سحب بند مناقشة طلب الشركة المشار إليها من جدول أعمال اجتماع مجلس إدارة الهيئة، فإن ذلك لا يجديه نفعاً ولا يبرئ ساحته وقد ثبت من أدلة الدعوى على نحو ما سلف طلبه وتلقيه عطايا من المتهم الثالث بوساطة المتهم الرابع وبإقراره هو عن تلقيه هدايا من ذلك الأخير بزعم وجود صلة صداقة بينهما.
وحيث إنه عن دفع كل من المتهمين الثالث والرابع باستفادتهما من الإعفاء من العقاب المنصوص عليه فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات، فلما كان نص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات قد جرى بأن «يعاقب الراشى والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشى ومع ذلك يعفى الراشى أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها» ومفاد هذا النص بصريح لفظه وواضح دلالته أن إخبار الراشى أو الوسيط بالجريمة، وكذا اعترافه بها صنوان فى تحقيق العذر المعفى من عقوبة الرشوة، فيقوم أحدهما مقام الآخر فى ترتيب الإعفاء من هذه العقوبة، إذ من المقرر أن علة هذا الإعفاء - فى نظر المشرع - هى أن الراشى أو الوسيط يؤدى باعترافه أو بإخباره على السواء خدمة للمصلحة العامة بالكشف عن جريمة الرشوة بعد وقوعها والتعريف عن الموظف الذى ارتكبها وتسهيل إثبات الجريمة عليه فإذا حصل الاعتراف لدى المحكمة فإن القانون لم يشترط له أى شرط بل جاء لفظه فيها مطلقاً خالياً من كل قيد زمنى أو مكانى أو كيفى فلا يجوز أن يضع له القاضى قيوداً من عند نفسه، بل كل ما له هو أن يتحقق من حصول مدلول لفظ الاعتراف وهو إقرار الشخص بكل وقائع الجريمة وظروفها إقراراً صريحاً لا مواربة فيه ولا تضليل، ومتى وقع هذا المدلول حق الإعفاء بدون نظر إلى أى أمر آخر، كما أن المقرر أيضاً أن الإعفاء من العقاب ليس إباحة للفعل أو محواً للمسئولية الجنائية بل هو لمصلحة الجانى التى تحققت فى فعله وفى شخصه عناصر المسئولية الجنائية واستحقاق العقاب، كل ما للعذر المعفى من العقاب من أثر هو حط العقوبة عن الجانى بعد استقرار إدانته دون أن يمس ذلك قيام الجريمة فى ذاتها، ومتى كان الثابت من مطالعة أوراق الدعوى وما جرى بها من تحقيقات وما دار بجلسات المرافعة أن المتهمين الثالث والرابع قد اعترفا أمام النيابة العامة وهذه المحكمة اعترافاً تفصيلياً بكل وقائع الجريمة وظروفها على نحو صريح لا مواربة فيه، والمحكمة وإن كانت على يقين بأن اعتراف المتهمين الثالث والرابع - وإن كانت تراه صادقاً وحقيقياً - إلا أنه لم يكن أبداً لخدمة العدالة وتحقيق المصلحة العامة بل للإفلات من العقاب بعد أن أدركا أنهما واقعان تحت مقصلة العقاب، فهى لا تملك مقيدة بنص المادة 107 مكرراً سالف البيان إلا أن تعمل أثره بحط العقوبة عن المتهمين سالفى الذكر، ولا يتبقى لها من وازع ضمير العدالة والإحساس بها إلا أن تنبه المشرع إلى ما أصبح ينطوى عليه نص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات بصورته الراهنة من مساس بمبادئ العدالة والإنصاف، ذلك أن المحكمة وإن كانت تقدر دوافع المشرع إلى منح كل من الراشى والوسيط الإعفاء المقرر بهذه المادة للمساعدة فى إقامة الدليل على الموظف العام الجانى فى جريمة الرشوة التى يتسم ارتكابها بسرية وكتمان بالغين، إلا أنه وبعد أن بان جلياً فى السنوات الأخيرة أن هذا الإعفاء قد أصبح بمثابة رخصة ووقاية لطبقة جديدة من المجرمين ممن امتهنوا إفساد الموظفين العموميين كبيرهم وصغيرهم فاحترفوا جريمة الوساطة فى الرشوة وهم على يقين أن طوق النجاة لهم مهما ارتكبوا من آثام هو الاحتماء بالمادة 107 مكرراً سالفة الذكر والاعتراف بالجرم وهو بالنسبة لهم ليس فضيلة ولا إقراراً بذنب أو تحقيقاً للعدالة أو مصلحة عامة ولكنه جزء من مخططهم الخبيث الذى رسموه سلفاً لارتكاب جريمتهم فهم إن نجحوا فى ارتكابها فقد حققوا ما أرادوا، أما إن فُضحوا وطالتهم يد العدالة فليس أهون عليهم من التضحية بشركائهم فى الجريمة والاعتراف بها طلباً للنجاة، الأمر الذى تطالب معه المحكمة المشرع بإعادة النظر فى المادة سالفة البيان وإحاطة هذه الميزة التى منحها للراشى والوسيط فى حالة الاعتراف بالجريمة بمزيد من الضوابط والقيود التى لا تجعل هؤلاء بمأمن تماماً من العقاب بمحض إرادتهم وهو ما يخلق طبقة من المرتزقة الذين يحترفون إفساد الموظفين العموميين لتحقيق مآرب شخصية ومكاسب مادية.