أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تقريراً صادماً بشأن الملاحقات القضائية التى تعرض لها صحفيون وإعلاميون خلال الأشهر الستة الأولى فى فترة الدكتور مرسى الرئاسية. ووفقاً لتقرير الشبكة، التى يديرها الحقوقى جمال عيد، بلغت الملاحقات القضائية بعد مضىّ نصف عام على رئاسة المدنى المنتخب الأول 24 ضعف كافة الملاحقات التى شهدتها فترة الرئيس الأسبق السادات (1970 - 1981) و4 أضعاف الملاحقات التى شهدتها ثلاثة عقود من حكم الرئيس السابق مبارك (1981 - 2011). ويشير التقرير إلى أن العدد الأكبر من الملاحقات القضائية لأصحاب الرأى يرتبط بتوظيف خطير للمادة 179 من قانون العقوبات والخاصة بما يسمى تهمة إهانة رئيس الجمهورية.
وقد يحاجج رئيس الجمهورية هنا ويدفع بعدم مسئوليته عن الملاحقات القضائية للصحفيين وللإعلاميين وبكون آخرين هم من يحركون القضاء ضد من «يهينون الرئيس». إلا أن الثابت هو أن الرئيس أثناء تمتعه بسلطة التشريع، أى منذ إلغاء إعلان المجلس العسكرى الدستورى الأخير وحتى استفتاء الدستور ونقل سلطة التشريع إلى مجلس الشورى، كان يستطيع إيقاف الملاحقات هذه بإلغاء مادة إهانة الرئيس من قانون العقوبات. كذلك، كان ولا يزال بمقدور الرئيس توجيه جماعته وحزبه، وإليهما ينتمى العدد الأكبر من مقدمى البلاغات ضد أصحاب الرأى، بالكف عن الملاحقة والتعقب واحترام الحريات الصحفية والإعلامية. يتحمل الدكتور مرسى، إذن، المسئولية السياسية عن ملاحقات الأشهر الستة الماضية والمعدلات المفزعة التى بلغتها.
أما الجماعة وحزبها، فملاحقة أتباعهما للصحفيين وللإعلاميين تدلل من جهة على الرغبة الشرهة للسيطرة على الرأى العام وقمع المعارضين والترويج الأحادى لهم ولسياساتهم وممارساتهم. وفى هذا تناقض واضح مع الديمقراطية التى يتغنون بها دون أدنى التزام بمبادئها الرئيسية ومن بينها التعددية وقبول الرأى الآخر. ومن جهة أخرى، تدلل الملاحقة هذه على ضيق أفق شديد داخل الجماعة وحزبها وانعدام قدرتهما على التعامل مع الرأى المعارض بموضوعية وربما توظيفه لممارسة النقد الذاتى ومن ثم الإفادة منه. وهنا نلمح شمولية بنية جماعة الإخوان التى تثق فى احتكارها للحقيقة المطلقة والتى يعانى منها حزبها، على الرغم من ظاهر تنظيمه الديمقراطى.
ولجماعة الإخوان وحزبها وأتباعهما أدوات أخرى لملاحقة أصحاب الرأى المعارض بجانب البلاغات القضائية، من بينها التشويه بترويج الافتراءات والأكاذيب عبر جيوش الإخوان الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى وكذلك شخصنة الرأى المعارض بالإحالة فقط إلى كاتبه أو متبنيه واختزاله الزائف فى كراهية شخصية من المعارضين ليس للإخوان أو لحزبهم، بل للإسلام والشريعة والاستقرار.
نحتاج، أصحاب رأى ومجتمع مدنى وأحزاب ديمقراطية وقبل كل هؤلاء مواطنات ومواطنون يريدون حرية التعبير عن الرأى، لوقفة حاسمة ضد الملاحقات القضائية وإعادة فرض القيود على الحريات الإعلامية.