بعد عامين على 25 يناير 2011، أفسدت السياسة الثورة وأبعدتها عن استحقاقات الكرامة الإنسانية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
صنعت السياسة بنخبها وأحزابها وشخصياتها العامة صراعات متتالية ولحظات استقطاب حادة، وجرفت مصر بعيداً عن مسارات الكرامة والديمقراطية والعدالة والتقدم، وانتهت بعد عامين إلى إنجاز وحيد هو إخراج المجلس العسكرى من إدارة شئون البلاد.
أما الأهداف التى كان ينبغى إنجازها ولم تنجز، فهى محاسبة المتورطين فى انتهاكات حقوق الإنسان (بما فى ذلك القتل من أحداث الثورة إلى ماسبيرو ومحمد محمود وبورسعيد والاتحادية)، وحماية الحريات الشخصية والعامة، وبناء نظام جديد يستند إلى الديمقراطية وسيادة القانون، وتخليق حقيقة مجتمعية قائمة على العدالة الاجتماعية، وإصلاح مؤسسات الدولة ورفع كفاءتها.
بعد عامين على 25 يناير 2011، أفسد السياسيون التوافق الوطنى الذى أنتجته أغلبية المصريات والمصريين وتجاوز حدود الهوية الدينية والانتماءات السياسية وأقر أولوية الأهداف العامة على مصالح الجماعات والأحزاب والأفراد.
ابتذل السياسيون مفاهيم التوافق والحوار الوطنى والمبادرة الوطنية الجامعة وألحقوا ضرراً بالغاً بثقة الرأى العام فى الجهود التى تنطلق بهذه المسميات.
وبموضوعية، تتحمل جماعة الإخوان هنا المسئولية الأكبر بانفراديتها المتصاعدة منذ 2011 وبخطاياها المتتالية من تحالفها الثنائى مع المجلس العسكرى إلى الانقلاب على مطلب حكومة التوافق الوطنى والاستئثار بوضع الدستور والدعوة لحوار وطنى ديكورى والسعى المدمر للسيطرة على الدولة ومؤسساتها.
وبموضوعية أيضاً، تتحمل المعارضة بتفتتها وصراعاتها وأحادية فعلها (معارضة البديل الوحيد) مسئولية غياب خريطة طريق واضحة لصناعة توافق وطنى فعلى وترجمته فى سياسات وممارسات متماسكة.
ولنتذكر جميعاً أن الأصوات التى حصل عليها حمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح فى الجولة الرئاسية الأولى كانت أكثر من أصوات مرشح الإخوان ومرشح النظام السابق.
ولنتذكر أيضاً أن المعارضة لم توحد موقفها من جمعية الدستور التأسيسية ومن الدستور إلا على نحو متأخر للغاية وبعد تضارب بين المقاطعة والمشاركة. بعد عامين على 25 يناير 2011، أفسدت السياسة النقاش العام وفرضت عليه استقطابها وانتفاء قدرتها الجمعية (فبعض السياسيين لديهم هذه القدرة) على إدارة التعددية والتنوع.
والحصيلة هى مقولات تخوين وانتقاص من الوطنية وتكفير وتشكيك وتشويه تخرج على المصريات والمصريين كل يوم فى وسائل الإعلام.
والحصيلة هى عنف لفظى مقيت يتجاوز كل المحرمات والخطوط الحمراء ويتاجر أحياناً بالقيم الدينية السامية.
السياسة التى كانت بعيدة عن ميدان التحرير فى 2011 عادت وسيطرت عليه وعلى الساحات الأخرى خلال العامين الماضيين، فعصفت بالتسامح والتنوع وقبول الآخر وغيرها من القيم التى ميزت الثورة المصرية وأطاحت جانباً بالنخب الشعبية والقوى المجتمعية التى أفرزتها الثورة.
بعد عامين على 25 يناير 2011، أخفق الحكم فى التعامل الفعال مع ثورة التوقعات الاقتصادية والاجتماعية لدى المصريات والمصريين التى تلت ثورة يناير.
فلا الأوضاع المعيشية تحسنت، ولا عُرض على الرأى العام رؤى وخطط حقيقية لإحداث التنمية والتقدم.
وأخفقت المعارضة فى صياغة بديل متماسك يقترح سياسات وإجراءات واضحة لتحسين أحوال الشعب وترجمة استحقاقات الثورة الاقتصادية والاجتماعية متمثلة فى العدالة ومكافحة الفساد.
القطاع الأوسع من المصريات والمصريين بات يعتبر نفسه طرفاً خاسراً، ويتابع بمزيج من الغضب والرفض كيف يتغير الحكام وتتغير الأيديولوجيات ويظل الرابحون اقتصادياً، هذه الشريحة المجتمعية شديدة المحدودية، دون تغيير.
لكل هذه الأسباب تواصل قطاعات شعبية واسعة الحراك الثورى والتظاهر والاحتجاج وتعيد إنتاج مطالبها العادلة من أجل دستور ديمقراطى وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية وحكم يشعر بمسئوليته أمام الشعب ومحاسبة للمتورطين فى انتهاك حقوق الإنسان.
لكل هذه الأسباب يتعين على نخب السياسة، حكماً ومعارضة، الاعتذار عن إخفاقها وخطاياها والتراجع عن تصدر المشهد بذات الممارسات الفاشلة.
قبل أن أشارك فى مسيرات اليوم، أعتذر وأدعو غيرى إلى الاعتذار.