إحدى أهم السلطات فى الدولة الديمقراطية الحديثة هى السلطة التشريعية، فهى الممثل الشرعى والوحيد عن الشعب، وهى تختص بالتشريع والرقابة كاختصاصين أصيلين، فصناعة القوانين هى التى تحكم وتضبط المعاملات وكافة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصناعية والزراعية وغيرها، كما تنظم العلاقات فى المجتمع سواء بين السلطة والفرد أو بين السلطات بعضها البعض، كما تحدد صلاحيات السلطات الأخرى وحدود التوازن بينها، كما أن الرقابة على السلطة التنفيذية بأدوات رقابية تمكنها من ضبط أداء السلطة التنفيذية وتحقيق الالتزام بالدستور والقانون وكبح جماحها من التغول على السلطات الأخرى وحماية حقوق المواطن والمجتمع.
وفقاً للدستور فمجلس النواب يتولى السلطة التشريعية، ويقر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على الوجه المبين بالدستور، فى الحقيقة رغم هذه الصلاحيات فإن المجلس من قبل أن يتم انتخابه وهو يتعرض لحملات لا تستهدف إلا إضعافه أمام الرأى العام وأمام السلطة التنفيذية، فبدأت الحملة ضد حصانة أعضاء المجلس تحت زعم إساءة استخدامها رغم أن الحصانة للنائب لمنع تغول السلطة التنفيذية بما تملك من قوة مادية ضد النواب فى البرلمان، فهذه الحصانة من أجل تمكين النائب من القيام بواجباته الدستورية فى الرقابة على السلطة التنفيذية إلا أن الحملة بدأت مبكراً.
الأخطر هو ما يتم الآن ضد النواب من حملات تستهدف تخويف النواب بالإحالة إلى لجنة القيم إذا هم تحدثوا فى شئون هى اختصاص أصيل لهم وهى مناقشة السياسة المالية والنقدية، ولتوضيح الأمر يختص البنك المركزى المصرى، وفى أغلب الدول، باختصاص أصيل بوضع السياسة المالية والنقدية، وله فى ذلك أدوات أهمها سعر الفائدة وضبط سعر العملة الوطنية فى ظل ضوابط قانون السوق والعرض والطلب لذلك يتمتع البنك المركزى باستقلال فى اتخاذ قراراته وسياساته، وهى سياسة معلنة للرأى العام، والبنوك، وللمستثمرين المصريين والأجانب، والكيانات الاقتصادية، لا سيما أننا نتبنى سياسة اقتصادية تعتمد مبادئ الاقتصاد الحر، وقد التقى السيد رئيس البنك المركزى بعدد من أعضاء البرلمان منهم أعضاء اللجنة الاقتصادية وشرح سياسته النقدية فى ظل ارتفاع سعر العملة الأجنبية وانخفاض سعر الجنيه، وهى بالطبع محل تساؤلات من الرأى العام للنواب ولهم أن يجيبوا عليهم بما لديهم من معلومات أو آراء. فوجئ النواب بتحذيرات للسيد رئيس البرلمان من الحديث فى السياسة المالية والنقدية ما يعد تقييداً لحق النائب فى مناقشة قضايا هى من صميم اختصاصه ومحل تساؤل من المواطنين الذين انتخبوه، فلا شك أن التلويح بإحالة النواب إلى لجنة القيم يعد تقييداً للنواب للقيام بواجبهم وحقهم فى مناقشة كل ما يهم المواطن المصرى الذى يمثله.
فالحصانة للنائب هى أن لا يُسأل عما يبديه من آراء أو أفكار سواء تحت القبة أو خارج البرلمان أو فى وسائل الإعلام، فتنص المادة 112 من الدستور على أن «لا يُسأل عضو مجلس النواب عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله فى المجلس أو فى لجانه»، كما لا يجوز اتخاذ أى إجراءات ضد العضو وفقاً للمادة 113 إلا فى حالة التلبس أو بعد أخذ إذن سابق من المجلس، إذاً هاتان المادتان حصنتا النائب من أن يُسأل لأى سبب يتعلق بأعماله سواء إعلان آراء أو استخدام أى أداة من أدوات الرقابة البرلمانية.
ليس من مصلحة السيد رئيس مجلس النواب أو أى من السلطات فى مصر إضعاف مجلس النواب أو الحد من صلاحياته أو رفع الحصانة عنهم أو تقييد حرية النواب فى التعبير عن الرأى وانتقاد السياسة الحكومية أو السياسات المالية والنقدية للبنك المركزى، فهذا واجب عليه بنص الدستور إن لم يقم به يعد مقصراً.