أرجو ألا يغضب منى أحد، ولكن ردود الفعل على قيام صحيفة «الجارديان» البريطانية بالاعتراف بقيام أحد مراسليها، يدعى جوزيف مايتون، بفبركة تقارير كتبها عن مصر فقامت بإلغاء 13 مقالاً له بعد ورود اتصالات من مصادر كان «مايتون» ادعى أنه تحدث معها فى مقال نُشر فى فبراير 2009، وهو ما ثبت عدم حدوثه إطلاقاً، فبدأت «الجارديان» التحقيق معه من خلال جهة مستقلة وخرجت بدورها بنتيجة أن المقالات احتوت معلومات ومقابلات مختلقة.. أى إنه كان يفبرك الحقائق..
ثم جاء دورنا كالعادة.. تصريحات لأعضاء مجلس النواب المحترمين، خاصة أعضاء لجنة الثقافة والإعلام، تتسم بالتسرع ودعوات وقرارات مختلفة، منها طلبات بتأسيس قنوات موجهة للخارج ودعوات لإغلاق مكتب «الجارديان» فى القاهرة وتدشين إعلام مصرى لتصحيح المفاهيم عن مصر وغير ذلك، وهى ردود فعل سينتهى مفعولها فى خلال ساعات وليس أياماً ولن تفضى إلى أى شىء مفيد..
القنوات الموجهة للخارج، حتى وإن أُنشئت، لن تجد من يشاهدها أو يستمع إليها غيرنا، فمن فى رأيكم من المواطنين فى الغرب يسعى لمتابعة الأحداث والآراء فى مصر لدرجة أن يشاهد قناة تؤكد أو تنفى ما سمعه أو قرأه فى خبر أو مقال عارض على قناته المفضلة أو فى صحيفته المعتاد قراءتها؟ الإجابة ودون تفكير: لا أحد.
أما عن إغلاق مكاتب الصحف فلن ينتج عنه سوى صداع جديد عن قيام السلطات المصرية بتكميم الأفواه وإخراس الإعلام وما اعتدنا على سماعه من الخارج والداخل.. هل يسهم الإغلاق والمنع فى حل المشكلة؟ الإجابة مرة أخرى ودون تفكير: بالطبع لا.. إذاً ماذا نفعل وكيف نتعامل؟
الإجابة جاءتنى من مصرى عاش عمره فى بريطانيا ويحمل لقب لورد.. وأهل بريطانيا أدرى بشعابها وقوانينها وتقاليدها.. الحل هو الضغط على «الجارديان» قانونياً لكى تعتذر على صفحات جريدتها فى مساحات مساوية للمساحات التى فبركها مراسلها وإلا اضطرت لدفع غرامات مالية هى فى النهاية ضرب فى مصداقيتها أمام قرائها من البريطانيين تصيبها فى مقتل، حيث تسقط عنها العراقة والمهنية والحرفية.. مثل هذا الحكم سيلتقطه منافسو «الجارديان» ويتولون نيابة عنا طواعية الترويج له تحقيقاً لمبدأ المنافسة الشريفة أو غير الشريفة..
ربما يكون هذا هو الحل وقد لا يكون، ولكن الحلول لا تكون بشعارات لا تدغدغ حتى مشاعر المصريين لأنهم سمعوها كثيراً، بل طرح رجل الشارع نفس الأفكار قبل السادة النواب المحترمين بعامين ونصف العام وأكثر أو منذ اندلاع ثورة يونيو 2013 وعرفوا أنها حلول غير مجدية.. أما عن التواصل مع الغرب فأكرر الفكرة التى كنت قد طرحتها منذ فترة وهى الاستعانة بأبناء الجاليات المصرية فى الخارج ممن ولدوا وتربوا فى هذه البلاد ليخاطبوا الإعلام الخارجى بلغته وبثقافته وبأدوات العصر الحديث.. فهم فى هذه الحالة سيكونون من أهل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأمريكا وهم أدرى بشعابها ولغاتها وأسلوب تفكيرها.. كتبت ولم يقرأ أحد.. وربما يكون العيب فى أن أحداً لا يقرأ ما يُكتب فى الصحف.. قلت تليفزيونياً ولم يسمع أحد.. وربما يكون العيب فى أن أحداً لا يشاهد التليفزيون.. تقدمت بالاقتراح فلم يستجب أحد، وفى هذه الحالة أعتقد أن العيب لم يكن فى وسيلة التواصل، بل فى إرادة الفعل..
ليس من الضرورى تبنى كل اقتراح يتقدم به الشخص، فقد لا يروق الاقتراح للدولة.. ولكن علينا أن نتعلم فى البرلمان أن نفكر جيداً قبل الإدلاء بتصريحات لا تثبت إلا أننا نصرح من أجل التصريح وليس التصليح أو بمعنى آخر (الإصلاح)..