يبدو أن الحكم (الرئيس والجماعة وحزبها) مُصر على التعامل مع الغضب الشعبى بذات أدوات وذات إيقاع نظام مبارك. الأداة الأمنية فى المقدمة، مصحوبة بدعوة بعض قيادات الإخوان لفرض حالة الطوارئ. الأداة الإعلامية توظف لتشويه المصريات والمصريين الذين يواصلون احتجاجاتهم فى الكثير من المحافظات ولا يقع فى خطيئة ممارسة العنف إلا بعض المجموعات محدودة العدد التى يتعين إدانتها ورفض عنفها. الأداة الإعلامية توظف أيضاً لتشويه المعارضة بادعاء أنها مسئولة عن العنف وتدفع بالبلاد للفوضى، وكأن إدانة المعارضة للعنف ورفضها الكامل له سواء توجه لمؤسسات عامة أو خاصة لا تسمع ودعوتها لضبط النفس والاحتفاظ بالطبيعة السلمية للاحتجاجات لا ترصد وكأن المعارضة هى المسئولة عن الأزمة السياسية والمجتمعية الراهنة وليس الحكم العاجز. أداة الحوار تستخدم أيضاً (فى بيان مجلس الدفاع الوطنى) لصناعة انطباع لدى الرأى العام فحواه أن الحكم يبحث عن حلول ومخارج والحقيقة هى أن ضمانات الجدية والفاعلية لا تزال غائبة عن الدعوة للحوار وخطر توظيفه من قبل الحكم لتهدئة الأوضاع وشراء الوقت حاضر بقوة.
أما الإيقاع فيتسم بذات بطء نظام مبارك، بل ربما تجاوزه فى التجاهل شبه الكامل للمطالب الشعبية والاستعلاء عليها (إلى حد اكتفاء رئيس الجمهورية بمخاطبة الرأى العام وبعد سقوط شهداء ومصابين عبر شبكات التواصل الاجتماعى وليس بخطاب أو مؤتمر صحفى أو ببيان رئاسى).
تعويل الحكم على الأداة الأمنية وطرح فرض حالة الطوارئ وتوظيف الإعلام للتشويه وتجاهل المطالب الشعبية سيدفع مصر إلى سيناريو مظلم وكارثى ملامحه حاضرة اليوم، عنف وفوضى وتصاعد الاستقطاب وتهديدات تطال كيان الدولة وليس فقط الحكم والنظام السياسى، وقبل كل هذا المزيد من إراقة دماء المصريات والمصريين. مصر فى وضع لا يحتمل الرهان على الوقت أو المساومة بدعوة غير واضحة المعالم للحوار بين القوى السياسية، مصر تحتاج لإدارة أزمة فعالة ولحلول حقيقية وسريعة.
على رئيس الجمهورية، وأدرك ارتباطه العضوى بجماعته وحزبها إلا أننى أخاطبه هو لأن أغلبية الشعب انتخبته ولم تنتخب لا مكتب الإرشاد ولا قيادات الحرية والعدالة، أن يحسم أمره قبل فوات الأوان ودخول مصر فى أتون دائرة عنف وفوضى تريق المزيد من دماء الأبرياء ولن تبقى لا عليه ولا على الحكم ولا على المعارضة وتهدد كيان الدولة. على رئيس الجمهورية أن يوقن أن الفعل الأمنى والرهان على الوقت والمساومة ببطء ستنتج المزيد من التأزم والتصعيد، وأن الحل السياسى الحقيقى هو البديل الفعال الوحيد. على الرئيس أن يعلم أن الانفرادية والإجراءات الاستبدادية وسوء الإدارة هى أسباب انهيار شرعيته وما تمر مصر به الآن، وأن جماعته وحزبها لن ينجحا فى رفع عبء التعامل الجاد والاستجابة للمطالب الشعبية عن كاهله.
أمام الرئيس فرصة تتمثل فى قبول تعديل الدستور المشوه وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى ومحاسبة المسئولين عن العنف المدان بكل أشكاله ومصارحة الرأى العام باستعداده الابتعاد عن الانفرادية وتجاهل المطالب الشعبية. وله بعد ذلك أن يدعو لحوار وطنى حقيقى على هذه الأرضية.
مصر فى خطر، والخطوة القادمة يتعين أن تأتى من الرئاسة.