نحصد الآن ما زرعته القوى السياسية والمجلس العسكرى على مدار عامين: تقديم المصالح الضيقة على المصلحة الوطنية وأهداف الثورة، مسار مرتبك للانتقال منذ البداية، إدارة سيئة للمرحلة الانتقالية، عدم رغبة أو قدرة السلطة على توسيع قاعدة التحالفات وتشكيل جبهة موسعة وتوزيع مهام الحكم ومواجهة الإرث السابق على كافة القوى الوطنية، تجاهل دائم للشباب واستخفاف مستمر بقدراتهم، عدم إصلاح جهاز الشرطة، استقطاب سياسى وعناد متبادل بين القوى السياسية واعتبار المباراة بينها صفرية وسيطرة عقلية المؤامرة عليها، وخطاب إعلامى غير مسئول.
والحصاد هو ما نحن فيه: ضحايا وحرائق وخسائر اقتصادية وظهور أنواع مختلفة من التطرف (جماعات «جهادية» عنيفة، تسييس الألتراس، جماعة الكتلة السوداء الثورية العنيفة..)، مع تصاعد المطالب بإسقاط النظام بعد شهور معدودة من الانتخابات الرئاسية. فما العمل؟
لن تصلح الحلول الأمنية فى التعامل مع ظاهرة العنف الحالى، فجهاز الأمن لم يتم إصلاحه إصلاحا جذريا، وبالتالى هو غير قادر على مواجهة موجات ثورية مستمرة بهذا الشكل. والشباب الثائر غير قابل للاحتواء أمنيا، فشباب الثورة ومطالبهم وسلميتهم قوبلت على مدى عامين بتجاهل القوى السياسية لهم وتكالبها على المغانم السياسية مما أضعف الشباب وسمح بظهور حركات شبابية عنيفة واختراق الساحة من جماعات هدفها التخريب وإجهاض الثورة.
ولن تصلح الحلول العسكرية، فالجيش غير راغب، وغير قادر، على السيطرة المباشرة فى ظل ثورة شعبية اللهم إلا إذا لجأ إلى النمط السورى، وهذا مستبعد بسبب التجربة السابقة للمجلس العسكرى، ووطنية المؤسسة العسكرية. ولا يمكن أيضاً الارتكان إلى دعم الجيش لحماية السلطة، فهذا أمر لن يستمر مع تدهور الأوضاع.
يتبقى وضعان. الأول الحل السياسى، فبرغم صعوبته بعد تعقد الأمور على الأرض، لكن لا يجب التوقف عن محاولة الوصول إليه: يجتمع الجميع على طاولة حوار وطنى حقيقى ينتج عنه اتفاق مكتوب على: تعديل الدستور كما وعد الرئيس- قانون الانتخابات- إدانة العنف بجميع أشكاله- اقتصار مجلس الشورى على التشريعات اللازمة للانتخابات البرلمانية فقط- تعهد كافة الأحزاب، الكبيرة والصغيرة، بتقديم الأجندة الوطنية الجامعة على الأجندات الحزبية الضيقة فى مرحلة وضع قواعد اللعبة الديمقراطية والقوانين المكملة للدستور - وضع خطة متكاملة لإصلاح الأجهزة الأمنية - والتخلى عن العبارات السائدة فى الخطاب السياسى والتى لا تتفق مع متطلبات مرحلة البناء مثل «الاحتكام إلى الأوزان النسبية»، «إسقاط النظام والرئيس المنتخب»، «الانقياد إلى الشارع» بدلا من قيادته نحو أهداف الثورة، «الديمقراطية مجرد صندوق الانتخابات»، «الاستقواء بالخارج أو بالجيش»، وغير ذلك.
الثانى: الفشل فى الحل السياسى، لا قدر الله، يعنى تطور الأمور والوصول لنهايات كلها سيئة. هناك سنن كونية تمتلئ بها كتب التحول الديمقراطى ولا يجب الاستخفاف بها: المقدمات الحالية تفتح الباب لكل السيناريوهات، بما فى ذلك وقوع البلاد فى فوضى مطلقة وإسقاط النظام واندلاع حرب أهلية بين أنصار الرئيس ومعارضيه وغير ذلك من كوارث. وقد يفتح هذا الفشل (أو الخوف منه) الباب أمام عودة الجيش بشكل مباشر وعودة البلاد إلى نقطة الصفر لكن فى ظل أوضاع أصعب وحراب أهلى وتربص خارجى..
فهل من قادة يقودون البلاد إلى بر الأمان بدلا من الانقياد إلى الشارع أو البقاء فى أسر قناعات مدمرة؟