لست من الرافضين لإدارة الأزمات السياسية والمجتمعية بالحوار بين الفرقاء أو المتصارعين، ولا أرى فى البحث عن حلول وسط أو مخارج توافقية جريمة تستحق العقاب بتخوين مرتكبيها والتنكيل بهم إعلامياً، إلا أن الحوار كأداة لإدارة الأزمات، وبالأخص فى فترات الغضب والاحتجاج الشعبيين، يحتاج كى ينجح لتوفر مجموعة من المقومات الأساسية.
المقوم الأول: اعتراف الفرقاء بانتفاء قدرتهم (حتى إن رغبوا) على إقصاء أو إلغاء بعضهم بعضاً بأدوات الصراع، ومن ثم التسليم المتبادل بالوجود وبضرورة الحوار والبحث عن حلول وسط.
المقوم الثانى: اقتناع الفرقاء بأن استمرار الأزمة المجتمعية أو السياسية أو الغضب الشعبى يهدد المصالح الوطنية (ديمقراطية، أمن، عدالة اجتماعية، تنمية)، وكذلك مصالح الفرقاء المرتبطة بمواقعهم (حكم ومعارضة) وكياناتهم (أحزاب، تجمعات، حركات، مواطن فرد).
المقوم الثالث: تيقن الفرقاء من أن الحلول الوسط المحتملة ستحقق لكل منهم بعض أهداف القطاعات الشعبية المساندة له ويمكن الدفاع عنها وتبريرها علنياً، وبهذا تبتعد إدارة الأزمة عن الإدارة بالتصعيد فقط أو بالمعادلات الصفرية (فى مكسبك خسارة كاملة لى، وفى مكسبى خسارة كاملة لك).
المقوم الرابع: وله أهمية قصوى حين يتعلق الأمر بأزمات سياسية أو مجتمعية أو فترات غضب شعبى، إدارة الحوار فى إطار من التزام الشفافية والعلنية الكاملتين وقواعد عادلة (تؤخذ القرارات بالتوافق أو بالتصويت بالإجماع)
تفضى للحلول الوسط (النتائج) التى يلتزم بتفعيلها.
المقوم الخامس: تحديد أجندة (قضايا) الحوار على نحو يترجم على الأقل جزئياً أهداف ومصالح جميع الفرقاء، وهو ما يقتضى تحديد هوية هؤلاء بدقة (حكم وأحزاب وجبهة إنقاذ وحركات شبابية فى الحالة المصرية الراهنة).
المقوم السادس: تكليف فريق محايد ومحترف من المفاوضين والوسطاء لإدارة الحوار بفاعلية والعمل على تصويب مساراته دوماً بما يضمن استمرار شعور جميع الفرقاء بكونهم أطرافاً للحوار ويقارب بينهم وبين التوصل لحلول، ولست، فى الحالة المصرية، من أنصار تكليف المؤسسة العسكرية بإدارة حوار فرقاء السياسة، ففى هذا إحياء غير مرغوب به لدور العسكر فى السياسة، بل يمكن تكليف فريق محايد من الخبراء (فى التفاوض وإدارة الأزمات) وممثلى المجتمع المدنى بإدارة الحوار.
إذا أسقطنا المقومات الستة على الحالة المصرية الراهنة، سنكون مع 1) اعتراف رئيس الجمهورية بوجود جبهة الإنقاذ ودعوتها كجبهة إلى الحوار، 2) إعلان الجبهة أن هدفها هو تغيير سياسات وممارسات الحكم الاستبدادية أو الفاشلة أو المرفوضة، وليس إسقاط الرئيس، 3) تحديد هوية الفرقاء على نحو يضمن تمثيل الحكم والجبهة والأحزاب السياسية وكذلك الحركات المؤثرة فى مسار الاحتجاج الشعبى، 4) تحديد قضايا الحوار فى التحقيق فى العنف والدستور وحكومة الإنقاذ الوطنى والتعاطى مع الغضب الشعبى والاحتجاجات المختلفة، 5) تعيين فريق محايد لإدارة الحوار وإعلان قواعده على الرأى العام والالتزام بشفافية عرض سيره ونتائجه ذات الطبيعة الملزمة.
على الرئيس أن يتحرك خطوة إلى الأمام، وعلى الجبهة وغيرها من الأطراف السياسية ذات المسئولية أيضاً.