قناة السويس.. محور الصراع العالمى الجديد
على قناة السويس، أقصر ممر بين الشرق والغرب، اشتعل أطول صراع بين قوى الشرق والغرب.. صراع بدأ منذ أول ضربة فأس مصرية بدأت حفر القناة، تحقيقاً للمصالح الفرنسية، لتزاحمها بعدها المصالح البريطانية والأمريكية والإسرائيلية، وحتى المصالح الروسية والصينية والقطرية.
لم يكن الكلام الذى تردد، مؤخرا، عن سعى قطر لشراء أسهم من قناة السويس، أو الحصول على امتيازات طويلة فيها، سوى حلقة من سلسلة طويلة من المصالح العالمية التى تشابكت حول قناة السويس، فى تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر: فترة تضغط فيها الأزمة الاقتصادية على أعصاب الكل إلى حد يدفع الناس للتخوف من تفريط القيادة المصرية فى قناة السويس لسد الأزمة المالية، وتضغط فيها على قناة السويس نفسها باعتبارها الشريان الحيوى الوحيد الذى ما زال يضخ الحياة إلى شرايين الاقتصاد المصرى.
وسط كل تلك الاضطرابات الداخلية والخارجية، لم ينتبه أحد لتقرير «رويترز»، الذى ألقى الضوء على أهمية قناة السويس فى الصراع العالمى الجديد. وتزايدت أهميتها مع اشتعال الحرب فى سوريا، وسعى روسيا والصين لفرض نفوذهما ضد أمريكا فى الشرق الأوسط، والمواجهة الحالية بين إيران وأمريكا، وارتباك أوضاع النفط والبترول فى الشرق الأوسط.[Quote_1]
ويصف تقرير «رويترز» ميناء بورسعيد، على القناة، بأنه واحد من أكثر الموانئ الحيوية فى المنطقة، ليس بالنسبة لأوروبا فحسب، ولكن لآسيا والشرق الأوسط كله. وما لا يعرفه كثيرون، كما يشير التقرير، هو أن جزءاً من أسهم الميناء صار الآن مملوكاً للصين، كان هذا جزءا من سياسة صينية بحرية جديدة، امتلكت جزءا من أسهم ميناء بضائع بورسعيد، كما امتلكت جزءا من أسهم ميناء نابولى فى إيطاليا وميناء بيرايوس فى اليونان. وتمتلك شركة «كوسكو باسيفيك» 20% من أسهم الميناء، بشكل جعل العالم كله يدرك أن الصين تنوى أن تكون قوة من القوى المسيطرة والمتحكمة فى موانئ البحر المتوسط، إن لم تكن أقواها.
وتصر شركة «كوسكو» الصينية على أنها لا تمتلك إلا أهدافا تجارية بالنسبة التى تمتلكها فى ميناء بورسعيد وغيرها، إلا أن الكثيرين يرون أن الصين اتخذت قرارا بالتوغل -سياسياً- أكثر فى المنطقة، ولعبت قناة السويس دورا هاما فى هذا القرار. تقول «رويترز»: «على مدى العامين الماضيين، أرسلت البحرية الصينية سفينة حربية أو أكثر عبر قناة السويس، للمرور على موانئ جنوب أوروبا، وهى أبعد مسافة قطعتها البحرية الصينية يوما ما».
ويواصل تقرير «رويترز»: «بعد ثورات الربيع العربى، ومع اشتعال الوضع فى سوريا بين بشار الأسد والجيش السورى الحر، أرسلت روسيا عدة سفن حربية لسوريا لمساندة ودعم بشار الأسد، ما دفع الولايات المتحدة إلى إعلان أنها لا تنوى ترك المنطقة دون وجود منها. فروسيا كانت تعلن ببساطة أن البحر المتوسط لم يعد مجرد بحيرة استراتيجية، أو منطقة نفوذ أمريكية تحت السيطرة الغربية بلا جدل».
والواقع أن تلك الممرات والموانئ البحرية الهامة، وعلى رأسها قناة السويس، ستكون ملعبا هاما لاستعراض القوة بين الولايات المتحدة والصين، التى يتزايد نموها يوما بعد يوم. يقول خبير الأمن القومى بالكلية البحرية الحربية برود أيلاند بأمريكا «نيكولاس جفوسديف»، إن الصينيين يرفعون أعلامهم فى المنطقة، فى إشارة إلى أنهم أصبحوا بالفعل قوة عظمى، ويدخل الروس سفنهم ليؤكدوا أنهم لم يغادروا الساحة بعد، بينما أدركت أمريكا أنها ليست قادرة إلى هذا الحد على السيطرة على المنطقة.
وأثارت توسعات الصين البحرية قلق أمريكا وأوروبا، خاصة أنها تمتد فى قلب أهم المناطق التى تمر بها تجارتها وسياساتها. والغريب أن الصين عرفت تماما كيف تستغل الأوضاع الاقتصادية السيئة التى تمر بها بلد ما، لدخول موانيها بما يحقق مصالحها التجارية أو الاستراتيجية. مثلا، قال الباحث البلجيكى «جوناثان هوسلاج»، فى صحيفة جلوبال تايمز، إن شركة «كوسكو» الحكومية الصينية استثمرت فى ميناء بيرايوس اليونانى فى وقت كانت اليونان تمر فيه بأزمة سياسية طاحنة، فصارت الاستثمارات الصينية فى موانيها أمرا مرحبا به بشدة.[Quote_2]
ولا يبدو أن الوضع الاقتصادى لمصر حاليا أفضل كثيرا من حال اليونان، عندما دخلت الصين موانيها. وإن كانت قناة السويس تحمل أهمية إضافية لمصر. بعد الثورة؛ فمع التدهور الحاد فى كل مصادر الدخل القومى الأخرى، ظلت قناة السويس هى الشريان الحيوى الذى يضخ الحياة للاقتصاد المصرى المنهك، خاصة بعد أن أعلن رئيس الهيئة العامة لقناة السويس أن عائدات قناة السويس ارتفعت فى 2011، ليصبح الإجمالى 5 مليارات دولار، رغم انخفاض عدد السفن التى تمر فى القناة بنسبة 1%.
وترى مجلة «أفريك» الفرنسية، أن الأهمية الاستراتيجية والسياسية والتجارية لقناة السويس لا يمكن الاستهانة بها، فأكثر من ثلثى تجارة العالم تمر من خلالها، ويمر بالقناة 2.5 مليون برميل نفط يوميا، ولم تهتز أهمية قناة السويس منذ أيام عبدالناصر، وحتى ما بعد أيام الاضطرابات ضد مبارك.
على أن الأهم، أن أحد التقارير الحديثة يشير إلى أن إدارة قناة بنما والموانئ الغربية للولايات المتحدة، تسببت فى لجوء المصدرين الآسيويين للاعتماد أكثر على قناة السويس، واستخدام هذا الطريق لنقل تجارتهم للسواحل الشرقية من الولايات المتحدة. حتى وصل الحال الآن إلى أن 22% من التجارة الآسيوية الضخمة، تمر عبر قناة السويس. وأدت ثورات الربيع العربى إلى ارتفاع أسعار النفط، حتى وصلت 100 دولار للبرميل وقتها، ومع مرور جزء كبير من تجارة النفط عبر قناة السويس، كان من الضرورى تأمين عبور تلك التجارة الهامة عبر القناة. وحتى خلال الاضطرابات التى شهدتها مصر، ظل المسئولون حريصين على التأكيد أن ممر قناة السويس آمن ومفتوح وسليم، وانتشرت قوات مسلحة تسليحا مضاعفا لتأمين مرور السفن فيها.[Quote_3]
قناة السويس ليست مجرد ممر بحرى يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، وليست حتى أقصر طريق ما بين الشرق والغرب، أو مجرد موقع جغرافى فريد من يتحكم فيه يصبح له جزء هام من السيطرة على البحرين الكبيرين. فبالنسبة لأوروبا، قناة السويس ممر بحرى لا يمكن الاستغناء عنه فى شحن البترول إليها، وفى التجارة مع آسيا، ولو فكرت فى استخدام البديل، وهو رأس الرجاء الصالح مثلا، فستتزايد تكلفة الواردات الأوروبية بما لا يقاس.
يذكر جيمس فيريير، أستاذ الاقتصاد البريطانى، أنه فى آخر مرة أغلقت فيها قناة السويس بسبب الحرب بين مصر وإسرائيل، بين عامى 1967 و1975، كانت النتيجة انهيارا متواصلا للتجارة العالمية. وكان تقديره، أنه لو تعرضت القناة للإغلاق أو التعطيل الآن لأى سبب، فى ظل الاضطرابات التى تشهدها مصر، فسيخسر العالم من 2 إلى 3 ملايين برميل نفط يوميا، وهى خسارة لا يمكن لأحد تحملها، خاصة مع النقص الحاد فى موارد الطاقة، والتهديدات التى تواجهها مصادر الغاز فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤخراً.
أى اضطراب فى القناة لن يؤثر على أوروبا فقط، لكنه سيمتد ليضرب آسيا، فإغلاق القناة سيعنى أن النفط القادم من أفريقيا لن يتجه لآسيا عبر قناة السويس «المغلقة»، وإنما سيتجه لأوروبا عبر موانئ البحر المتوسط. والواقع أن النفط حاليا زاد الطلب عليه فى آسيا أكثر، ولا يمكن أن يسده إلا إنتاج نفط الشرق الأوسط وغرب أفريقيا. لذلك فسيكون تأثير إغلاق القناة حاليا أسوأ بكثير مما حدث فى الستينات.
ويقول موقع «وورلد برس ريفيو»، «باختصار: أى شكل من أشكال تهديد أو إغلاق قناة السويس لأى سبب سيكون انتحارا اقتصاديا بالنسبة لها ولمصر من بعدها. فمصر لا تحتمل أى نوع من انهيار الدخل القومى أكثر من ذلك، ما سيؤدى لمزيد من الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار فى البلاد».
يمكنك مشاهدة الملف التفاعلي على الرابط التالي:
http://www.elwatannews.com/hotfile/details/161
أخبار متعلقة:
مستعمرة «الدراويش»: «بنعيشها بكرامة.. ولا نقبل أبداً إهانة»
الإسماعيلاوى.. يعادى من يعاديه ويسالم من يسالمه
الإسماعيلية.. فقراء على شاطئ «نهر فلوس»
مدينة الدراويش.. الخضراء المقاتلة ترتدي قميص الدم
«مرسى» غيّر فى الطبيعة الإسماعيلاوية
المؤامرة القطرية على قناة السويس
سيناريوهات «سيد»: حرب أهلية.. أو عودة إلى حدود «24 يناير»