ضع كل الدفاتر على أقرب رف، وركز كثيراً مع البشر، فلا شىء أخطر على وطن من صراع أهله فيما بينهم، فريقان على ضفتين كل منهما يخون الآخر، كل منهما يشمت فى الآخر، كل منهما يتمنى لو أن منافسه وخصمه يخسر حتى لو تم الأمر على حساب الوطن ذاته.
الدولة شعب وأرض، ركنان لا تقوى الدول بواحد منهما ولا تكتفى بشعب دون أرض ولا تكتفى بأرض دون شعب، والناس قوتهم وتماسكهم ووحدتهم وأحلامهم أهم، هكذا تخبرنا كتب التاريخ وقصص الأولين: لا خير فى وطن لا يجتمع شعبه على قلب أمل واحد هو رفعة هذا الوطن وتقدمه.
الأخطر من مصير اتفاقية ترسيم الحدود، ومستقبل تيران وصنافير هو انقسام الناس، انقسام شعب الوطن الواحد إلى فريقين كل منهما يخون الآخر، والأخطر من ذلك هناك قادة رأى ومذيعون وكتّاب يبذلون جهداً ويتصببون عرقاً لإثبات عدم أحقية وطنهم فى قطعة أرض كانت له السيادة عليه منذ عقود، بدلاً من أن يلتزموا الصمت أو ينتظروا البرلمان أو يبذلوا جهداً فى الاتجاه المضاد تجاه البحث عن الحقيقة وليس التسليم بأمر واقع يريد البعض فرضه.
الفوضى شر، والشرور لا تبنى الأوطان، الشرور تهدمها، والفوضى ليست مجرد إرهاب أو مسلحين سائرين فى الشوارع للقتل والذبح، للفوضى ألف شكل ولون؛ الإهمال فوضى، والفساد فوضى، وخلط المفاهيم فوضى، واتهام الناس دون دليل فوضى، واتهام أى معارض لفكرتك أو للسلطة التى تدعمها أو تنافقها بأنه خائن دون دليل هو قمة الفوضى، لأنك بذلك تضرب وحدة المجتمع فى مقتل.. ولكنهم لا يعلمون!!
الآن نعيش فى أيام كل معارض فيها يقذفه «المطبلاتية» بتهمة الخيانة، وكل موظف يكشف فساداً يراه مديره خائناً، وكل كاتب أو صحفى يكتب نقداً هو خائن، وأى صوت يقول بأن السياحة لن تعود سوى بالخطط لا الأغانى هو خائن، وأى صحفى ينشر قصة تعذيب فى سجن خائن، حتى وصلنا لمرحلة مفجعة منذ شهور جعلنا فيها طفلاً مصرياً اسمه مصطفى الصاوى خائناً والسبب أنه عبقرى أهملت الدولة اختراعاته ومشروعه العلمى فذهب ليبحث عن حلمه فى الإمارات..
التخوين ليس لعبة، التخوين مرض، أخطر على جسد هذا الوطن من السرطان ومن الفقر ومن المؤامرات الخارجية، ومن الإخوان ومن «داعش»، التخوين طعنة فى قلب مصر، وقلب مصر فى وحدة أهلها مهما كان بهم من علل وعيوب.
ليس من يتخذ قراراً وهو فى منصب السلطة خائناً، ولا من يهتف فى مظاهرة ضد الحكومة خائناً، للخيانة شروط، وملفات تحقيق، ومنصة قضاء تثبتها ليست لعبة يستخدمها مذيع فى استوديو أو ناشط سياسى على فيس بوك.