هانى «بائع».. خرج لشراء مستلزمات بيته فلم يتبق منه سوى بقايا ملابس فى كيس أسود
وقف يقلب ما تبقى من أخيه بين قميص تشرّب بالدماء و«بنطلون» عليه بقايا مخه، يكاد عقله يفارقه، يطلق العديد من التساؤلات دون أن ينتظر رداً أو جواباً عليها، لأنها موجهة إلى رئيس جمهورية، اكتفى بمتابعة المشهد من بعيد، وعندما خرج رفع سبابته فى وجه شعبه، مهدداً إياهم بوجود المزيد.
حاول الرجل الأربعينى تذكُّر القَسَم الرئاسى لأول رئيس منتخب، وعلقت بذهنه كلمات أربع «رعاية مصالح الشعب وسلامة أرضيه»، قائلاً: «أنا ماشوفتش لا رعاية مصالح ولا سلامة أرض، أنا شوفت أخويا اتقتل قُدام عينى واحنا رايحين نجيب أكل، وفى الآخر ما اتبقاش منه غير شوية هدوم عليها دمه ومخه فى كيس أسود عليه اسمه».
السيد على السيد، شقيق «هانى» الرجل صاحب الـ37 ربيعاً، الذى لقى حتفه برصاصة فى الرأس نتج عنها تفجير مخه ليودّع أسرة مكونة من زوجة وطفلين ابن فى الصف الثانى الابتدائى وابنة لديها ثلاث سنوات، ودع كل منهما تاركاً إياهم للذهاب إلى سوق السمك لشراء احتياجات المنزل، خوفاً من قيام ثورة تحول بينهم وبين شراء احتياجاتهم اليومية.
خرج «هانى» مع شقيقيه «السيد» و«خضر» وتوجها إلى سوق السمك الذى لا يبعد عن سور سجن بورسعيد سوى عدة أمتار ربما تصل إلى 200 متر، وأثناء شرائهم فوجئوا بحالة من الهرج، حسب قول «السيد»، وإطلاق كثيف للنيران من مجموعة من ضباط الداخلية الذين كانوا يرتدون الزى الجديد للشرطة من فوق عمارات «كبسة» الموازية لسجن بورسعيد العمومى، حاول الأشقاء الثلاثة الهرب من النيران، حتى استطاعوا الوصول إلى شارع النهضة ومديرية الزراعة ونجحوا فى الاختباء فى أحد مداخل العمارات. نجح «هانى» فى الاختباء بعض الوقت، وعندما أراد الخروج كانت طلقة «قناصة» أسرع فى الوصول إلى رأسه الثلاثينى لينفجر ويتطاير مخه ويتهاوى على الأرض، وقف شقيقاه والذهول لا يفارقهما، مصابان بحالة من الشلل، لم يقويا على التحرُّك لينقل الأهالى والمارة الموجودون شقيقهم إلى المستشفى دون أن يعرفوا وجهته، فالرصاص ما زال يتهاوى عليهم ولا يعرفون كيف يتحركون بعدما فقدوا شقيقهم الصغير أمام أعينهم.
«خضر» شقيقه الأكبر لم يجد تعليقاً مبرراً لما حدث لشقيقه سوى «اليهود ماقدروش يعملوا كده معانا، أنا حضرت النكسة وكنت ساعتها شغال فى شركة الكهرباء ماكُنّاش بنسيب شغلنا بالليل وننزل فى عز قصف القنابل والضرب عشان مانقطعش الكهرباء على بورسعيد، إحنا شعبنا قدم بطولات وأمجاد لمصر والعروبة، يكون ده الرد علينا قتل الناس فى الشوارع».
مشاهد عديدة ومتفرقة لا يستطيع الشقيقان محوها من ذاكرتيهما، أهمها صورة الضابط الضاحكة فوق العمارة وهو يصطاد الأهالى كالعصافير، حسب وصف السيد، والثانية ضرب الجنازة الشعبية التى خرجت لدفن 28 شهيداً بقنابل الغاز والرصاص الحى لتسقط النعوش وأجساد الموتى فى الأرض وتُدهس السيدات ويسقط من كانوا يحملون نعوش الشهداء ويكتسبون اللقب نفسه «الشهيد»، والثالثة إصبع رئيس الجمهورية «السبابة» التى رفعها فى خطابه ضد مدن القناة الثلاث، مهدداً وواعداً بإجراءات أكثر قوة وحزم، بل فرض حظراً وقانوناً للطوارئ.
تهديد «البورسعيدية» هو أكثر ما ألم بالشقيقين وأرجعا سببه إلى عدم علم الرئيس بالتاريخ النضالى لمدينة بورسعيد، موجهين رسالتهم إلى الدكتور مرسى، قائلين «بدل ما الريس يدينا الأمل فى إنه هيفتح تحقيق مع الشرطة، طالع يشكرها عشان بتموِّت الناس، يبقى نعمل فدائيين ونقعد له مش هيجى أسخن من بتوع بريطانيا أو فرنسا، مستعدين نضحى بآلاف الشهداء، حقنا ييجى بالقصاص من وزير الداخلية والضابط اللى قتل أخويا، الشرطة مسئوليتها أنها تعرف البلطجية وتجيبهم، بقالك 6 أشهر ماسك بدل ما تضرب فى الناس عشوائى طلع شرطتك تقبض على البلطجية. بورسعيد مقفولة، مافيش لا أكل ولا شرب بيدخل للبلد. فى استغلال وزيادة أسعار، تعاقبنا ليه، ده الجزاء إنك بتعاقبنا لو شايف إن ده عقاب إحنا عندنا برضه استعداد إننا نعطيك هدايا ونضحى بنفسنا، نفسنا مش هتكون أغلى من اللى راحوا».
أكثر ما يؤلم الشقيقين هو حرصهما الدائم على عدم الاقتراب من السياسة تجنُّباً لحدوث أى مشكلات والتفرُّغ لكسب قوت اليوم، ليتحول استشهاد أخيهم الأصغر الذى تولوا رعايته بعد وفاة والديه إلى محرك لهما للانضمام إلى كل المسيرات لحين القصاص لشقيقهما ولطفليه وزوجته.
أخبار متعلقة:
الجريمة: المشى في الشارع.. العقاب: رصاصة قاتلة
أحمد السيد «تاجر روبابيكيا».. ذهب يطمئن على أخويه فى سوق السمك فتلقى رصاصتين في الرأس والصدر
الضظوى «لاعب كرة».. ذهب لحضور التمرين فلقى وجه ربه
أحمد سامى «طالب ثانوى».. لا يشجع «المصرى» وتبرع بالدم لـ«ألتراس أهلاوى»