كنت كلما تحدثت مع أى طرف له صلة بالسياسة البريطانية كان يؤكد لى أن الاستفتاء على الخروج فى الاتحاد الأوروبى سينتهى باختيار البقاء بفارق ضئيل لا يزيد على 2%، ولكن البقاء أمر محسوم لا شك فيه.. ثم جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن وحدث العكس فكانت ردود الفعل عنيفة.. ردود فعل البشر ورود فعل الأسواق.. معظم التحليلات المحلية فى مصر حتى كتابة هذا المقال قد استوعبت ما حدث، فلم أقرأ تحليلاً متأنياً لانعكاسات القرار الشعبى البريطانى علينا، ولكن بالتأكيد ستصدر فيما بعد تحليلات جيدة.. إلى أن يحدث ذلك، فقد كان أقسى رد فعل هو تخفيض وكالة موديز رؤيتها المستقبلية لتصنيف بريطانيا من مستقرة إلى سلبية، لأن فوز الداعين لخروج بريطانيا يضع الاقتصاد البريطانى أمام فترة غموض طويلة تؤدى إلى تداعيات سلبية على النمو فى المدى المتوسط.
أما أسواق الأسهم فى أنحاء العالم، فقد تلقت هزة شديدة، لأنها لم تتوقع ما حدث، بل توقعت العكس وكان أكبر الخاسرين الشركات البريطانية.. كذلك توجهت الأنظار فى سوق العملات نحو الهزة التى تلقاها الجنيه الإسترلينى وارتفع سعر الذهب بشكل كبير فى يوم من عدم الاستقرار والاضطراب.
غضب الأوروبيين كان واضحاً أكثر من حزنهم، حيث طالب رئيس البرلمان الأوروبى بخروج بريطانيا فى أسرع وقت ممكن دون انتظار رحيل ديفيد كاميرون واختيار من يخلفه، وقال للجارديان إن المشرعين الأوروبيين يدرسون ما إذا كان من الممكن الإسراع فى تنفيذ المادة 50 من معاهدة لشبونة الخاصة بإجراءات خروج دولة عضو من الاتحاد.. رئيس المفوضية الأوروبية أكد نفس المعنى، وقال البريطانيون قرروا مغادرة الاتحاد، لذا ليس من المنطقى الانتظار للتفاوض على شروط رحيلهم، أما وزير المالية الفرنسى فقد طالب لندن بسرعة السماح للآخرين بمعرفة متى تريد الخروج من الاتحاد الأوروبى..
هل يلقى الأوروبيون «قلة» وراء بريطانيا؟ بالتأكيد لا.. ولكنهم غاضبون.. وكذلك الكثير من الشباب البريطانى الذى صوت معظمه على البقاء داخل الكتلة الأوروبية لضمان سوق عمل واسع ومستقبل أفضل وحرية أكبر فى التنقل والعمل.. بدأ الشباب فى إلقاء اللوم على الكبار الذين صوت معظمهم على مغادرة الاتحاد، قائلين ما معناه:«هل يأخذوا زمنهم وزمن غيرهم؟» أى أن ما تبقى للشباب من عمر هو المحدد الذى كان يجب وضعه فى الاعتبار، وليس «العواجيز» الذين استفادوا من كل مزايا الماضى، فليس من حقهم تحديد شكل مستقبل لن يعيشوا فيه..
ستشتعل الأمور بين الفئتين العمريتين فى الفترة المقبلة ولهجة النقاش فى الإعلام تزداد حدة، لأنه صراع الأجيال الذى تحدثت عنه من قبل.. واقعياً أكاد أسمع أسلوباً كالذى أسمعه هنا فى مصر عن صراع للأجيال حول قضايا مصيرية.. فى بريطانيا ستسود رؤية طرف على الآخر.. والسبب فى استخدامى لصيغة المستقبل هو أننا لا يمكن أن نتأكد ما إذا كانت النتيجة نهائية، أم يلجأ البريطانيون بعد فترة إلى استفتاء جديد يبقيهم داخل الاتحاد الأوروبى بعيداً عن دعاوى انفصال اسكتلندة، وأيرلندا الشمالية وحتى لندن العاصمة.. قد يبدو ما أقوله مستحيلاً ولكننى أعتقد أن دعم أوباما للبقاء قد تسبب نوعاً ما فيما حدث.. ولا يمكننى أن أعتقد أنه كان حسن النية.
الملخص هو أننا نعيش فترات ترقب بانعكاسات جمة، السلبى منها بالتأكيد أكثر من الإيجابى.. لم يكن العالم مستعداً لما حدث وبالتأكيد نحن أيضاً.. لذا وجب علينا الاستعداد.. والأهم، البعد عن «الألش» على مواقع التواصل الاجتماعى، وفى الصحافة لعلنا نتعلم شيئاً..