هل يظن رئيس الجمهورية أنه يستطيع بالصمت والتجاهل تجاوز عنف الأجهزة الأمنية المفرط ضد متظاهرى الجمعة الماضى؟ هل يعتقد أن قتل وسحل المصريين تحولا إلى ممارسات اعتيادية لا مبرر لمحاسبة المتورطين بها جنائياً وسياسياً؟ هل لم يخبره مستشاره القانونى أنه مع حكومته ووزير داخليته يتحمل المسئولية السياسية الكاملة عن واقعة سحل مواطن أمام قصر الاتحادية، بل ويمكن أن يحمل المسئولية الجنائية ويلاحق قضائياً؟ هل يدرك الرئيس المنتخب أن انتهاكات حقوق الإنسان، من القتل والتعذيب، التى ترتكبها الأجهزة الأمنية الخاضعة لسلطته ولتوجيهاته تذهب بشرعيته وتضعه فى ذات الخانة مع الرئيس السابق المتهم بقتل مواطنين؟ هل يعلم أن محاولات جماعته وحزبها، تحميل القوى المعارضة التى دعت إلى مسيرات وتظاهرات الجمعة الماضى المسئولية السياسية والجنائية عن العنف، محكوم عليها بالفشل نظراً لتشديد هذه القوى على ضرورة التزام السلمية وإدانتها للعنف ونظراً لتوفر أدلة واضحة على عنف الأمن المفرط؟ هل يدرك رئيس الجمهورية ومعه جماعته وحزبها أن القتل والسحل يتناقضان مع وثيقة الأزهر لنبذ العنف التى تنص فى مادتها الأولى على حرمة الدماء وفى مادتها الثالثة على مسئولية الدولة والأجهزة الأمنية عن حماية حياة وحقوق وحريات وكرامة المواطن؟
بعد سبعة أشهر على انتخابه وبعد سلسلة من الأخطاء الجسيمة والسياسات الاستبدادية، أصبحنا اليوم مع رئيس انهارت شرعيته، كتبت من قبل مؤكداً أن الإجراءات الديمقراطية التى جاءت بالدكتور محمد مرسى رئيساً لن تحميه من تصاعد الغضب الشعبى بسبب سياساته ولن تمنع قطاعات شعبية مؤثرة من المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.
واليوم أعيد التذكير بأن أخطاء الرئيس وسياساته حين تضاف إليها مشاهد القتل والسحل تشكل مجتمعة مسوغات قوية ومشروعة لمطالبة شعبية حتما ستتصاعد بالانتخابات المبكرة هذه، وهى فى ذات الوقت مسوغات تحميل الرئيس المسئولية السياسية وربما الجنائية عن انتهاكات حقوق الإنسان التى ترتكبها أجهزته الأمنية.
خوفاً على مصر، لم أكن لأتمنى أن تأخذ الأمور هذا المنحنى الخطير، خوفاً على مصر، لم أكن لأتمنى أن نصبح مع انهيار العملية السياسية وانسداد أفق التغيير السياسى والمجتمعى الإيجابى بعد أخطاء الرئيس الجسيمة وإصراره عليها، خوفاً على مصر، دعوت لنبذ العنف وأواصل إدانته حين تمارسه أجهزة أمن لا تريد أن تتغير وتغيب إرادة إصلاحها السياسية (الرئاسة تبدل فقط وزراء الداخلية) أو حين يأتى من مواطنين يتعين محاسبتهم، خوفاً على مصر، ومع اختلافى السياسى مع الرئيس وجماعته وحزبها، لم أكن لأتمنى أن يرتكب كل هذه الأخطاء ويباعد من ثم بيننا وبين العمل معه على أساس التزام الإجراءات الديمقراطية وتحقيق آمال المصريات والمصريين فى الحرية والعدالة والتقدم واحترام كرامتهم وحقوقهم، خوفاً على مصر، كنت أريده أن يكمل فترته الرئاسية وألا يواجه بعد سبعة أشهر فقط المطالبة بالرحيل والانتخابات الرئاسية المبكرة، فبعض الاستقرار هام لبناء الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وذات الخوف على مصر هو الذى يدفعنى اليوم لمطالبة الرئيس، إن أراد الخروج من الأزمة، بالاعتذار عن القتل والسحل وبتحمل المسئولية السياسية عنهما وإقالة الحكومة والإعداد العاجل لخطة لإعادة هيكلة وإصلاح الأجهزة الأمنية. أطالبه بمخاطبة الشعب معتذراً عن انتهاكات حقوق الإنسان ومعلناً عن تشكيل لجان تحقيق مستقلة بشأنها لها أن تستدعيه هو شخصياً وكافة المسئولين الآخرين للنظر فى مدى مسئوليتهم السياسية والجنائية ولا حدود لعملها إلا البحث عن الحقيقة وإخبار الرأى العام بها، أطالبه بفتح الأفق السياسى وبإنقاذ العملية السياسية من الانهيار بالاستجابة للمطالب المشروعة المتعلقة بالدستور وبحكومة الإنقاذ الوطنى وبإجراءات سريعة للعدالة الاجتماعية.
حسابات الوقت فى المجتمعات بعد ثورات وتغيرات جذرية تختلف عن الحسابات الاعتيادية، وقد تختزل الأحداث فترات رئاسية وبرلمانية تمتد نظرياً لسنوات إلى بضعة أشهر، وفرص الخروج من الأزمة وإدارتها بكفاءة لا تتكرر كثيراً.
أمام الرئيس المنتخب فرصة حقيقية الآن بالاعتذار وتحمل المسئولية والاستجابة بجدية للمطالب المشروعة ومن ثم إبعاد شبح انهيار العملية السياسية وسيناريو الفوضى، فرصة حقيقية قد لا تتكرر إن أهدرت.