مفكر سياسى تركى: ذبح الجندى التركى تعبير عن «روح الدواعش» بين أنصار «أردوغان»
المفكر السياسى التركى نوزاد صواش
قال المفكر السياسى التركى نوزاد صواش إن الأتراك يمرون بمشاهد صعبة منذ محاولة الانقلاب العسكرى الفاشلة التى وقعت مساء الجمعة الماضى. وقال، فى حوار لـ«الوطن»، إن محاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا تشبه «تمثيلية» من مسلسلات الدراما التركية، مؤكداً أن الجميع بادر برفضها وإدانتها، إلا أن ما يفعله «أردوغان» حالياً هو الانقلاب الحقيقى. وأضاف تلميذ «جولن» ومترجم مقالاته أن «أنصار العدالة والتنمية الذين يعتقدون أنهم فى حرب استقلال ضد الكفر منذ محاولة الانقلاب أحلوا دماء أبناء الخدمة ونساءهم وأموالهم»، وانتقد مدير تحرير مجلة «حراء» مشهد ذبح جندى تركى على أيديهم، معتبراً أنه يعكس «روح الدواعش» بين أنصار الرئيس التركى.
■ الحكومة التركية بدأت مرحلة «اجتثاث» حركة «الخدمة»، ألا يعيد ذلك إلى أذهاننا مفهوم «الاجتثاث» الذى دشنه الأمريكيون حين غزوا العراق؟
- أى تصرف يتم اتخاذه ينبغى أن يكون وفق سند شرعى قانونى، أنت حين تقوم باجتثاث إنسان، فإن هذا يعنى القضاء عليه، أو أنك تعاقبه لسبب ما، وهذا ينبغى أن يكون له مبرر قانونى. إذا نظرنا إلى الوضع حالياً فى تركيا، هم يقومون باجتثاث أناس لمجرد أنهم يحبون الأستاذ «جولن» ويقرأون كتبه، وهل يكون الحب جريمة يعاقب عليها؟ وإذا كنت ستعاقب على الحب، فكيف يمكن أن تثبت أن شخصاً ما يحب آخر؟ ما يقومون به حالياً فى تركيا هو افتئات على حقوق الإنسان.
نوزاد صواش لـ«الوطن»: لا عيشة كريمة لك فى تركيا إلا إذا كنت من الحزب الحاكم.. والرئيس يريد تحويله إلى حزب بعث تركى «إسلامى»
■ لكن الرد القانونى هو أنكم تدعمون الانقلاب على النظام الدستورى والقانونى للدولة، ما ردك؟
- هذا الاتهام يحتاج إلى إثبات، الرأى العام العالمى والعربى والرأى فى الشرق والغرب كله يثير تساؤلات حول هذه المحاولة الانقلابية، يصفون ما وقع بأنه تمثيلية أشبه بدراما تركية، وقع انقلاب عسكرى وفشل، وفى صباح اليوم التالى وقع الانقلاب الفعلى الذى يقوده الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ما حدث صباح يوم 16 يوليو هو الانقلاب الحقيقى فى بلادنا الذى نرى نتائجه الآن.
■ إذا نجح الانقلاب فعلاً فإنهم كانوا سيفعلون أكثر من ذلك، هكذا يرد مؤيدو الحكومة التركية، فما تعليقك؟
- أولاً الانقلاب مرفوض تماماً، إذا كانت تلك المحاولة مفبركة فهى جريمة تستوجب العقاب، وإذا لم تكن مفبركة فإنها هى الأخرى جريمة كبرى. ولكن الجيش التركى به نحو 300 جنرال كبير، اعتقل منهم نحو 118، أى الثلث تقريباً، وهذا الثلث الذى اعتقل بتهمة تدبير أو المشاركة فى الانقلاب وحدهم قادرون على تحريك نحو 400 ألف جندى، ولو كان هؤلاء بالفعل خططوا للانقلاب لتمكنوا مما أرادوا، كما قلت هؤلاء تحت سيطرتهم نحو 400 ألف جندى. ولكن بعد ساعة من خروج مجموعة من العسكر لإغلاق جسر فى «إسطنبول» وتحليق بعض الطائرات تم مباشرة توجيه الاتهام إلى مجموعة بعينها، ثم بدأت عملية التصفيات، وكأن المحاولة الانقلابية كانت مجرد ذريعة لبدء هذه التصفيات. كما أن عدداً كبيراً من هؤلاء الجنرالات المعتقلين هم من القوميين واليساريين.
■ أعتقد أن حركة «الخدمة» كانت من أوائل الكيانات التى أدانت محاولة الانقلاب..
- من اللحظة الأولى لمحاولة الانقلاب خرج الأستاذ «جولن» وأدان المحاولة، وكذلك كبرى المؤسسات المعروفة بأنها تعمل باسم حركة «الخدمة» أدانت محاولة الانقلاب، كذلك كل الشخصيات والسياسيين والكتّاب. واستنكرنا ذلك، فأبناء حركة «الخدمة» هم دوماً ضحايا الانقلابات.
عناصر الحزب الحاكم وضعت لافتات على المساجد تمنع دخول أبناء «الخدمة».. وهدموا مطعماً لرجل قالوا إنه يتبع «الكيان الموازى»
■ وما موقف «جولن» إزاء تلك الاتهامات التى وجهت له بشكل رسمى وهناك الآن مطالب بتسليمه؟
- الأستاذ «جولن» خرج وطلب تشكيل لجنة دولية للتحقيق، هذه اللجنة مهمتها أن تحقق فى الادعاءات التى تطلقها حكومة «العدالة والتنمية»؛ لأنه لا يثق فى القضاء داخل تركيا، إذا أثبتت اللجنة الدولية، فى حال تم تشكيلها، أنه مدان فى تلك الأحداث، فإنه مستعد لتسليم نفسه إلى الحكومة التركية، ولا يبالى أن يقضى ما تبقى من عمره فى زنزانة حتى الموت، فهو بالأساس قال إنه يعشق الآخرة، ولن يعيش أكثر مما عاش.
■ إذا كان ما حدث «تمثيلية» كما قلت أو كما يصفه البعض، كيف حبكت هذه التمثيلية؟
- الحقيقة أن الأمور حتى الآن غير واضحة، هناك كثير من القرائن، ولكن لا أحد يستطيع إصدار حكم ما بنسبة 100%. ولكن على أية حال، وأياً كانت حقيقة ما جرى، فإن السلوكيات الحكومية الحالية هى «الانقلاب الحقيقى»، وكأن هذه المحاولة وضعت بالأساس لقيام «أردوغان» بهذه التصفيات.
■ رأينا مشاهد ضرب الجنود من قبَل أنصار الرئيس التركى، ألا تمثل تلك المشاهد إهانة للمؤسسة العسكرية التركية؟
- بالتأكيد هذه المشاهد إساءة وإهانة للمؤسسة العسكرية التركية، العسكرى بالنسبة لنا هو رمز البطولة، ونحن كشعب تركى نحب العسكريين، وهذه الصور التى شاهدناها صور مزرية، الضرب بالسياط وخلع ملابس الجنود، والتشهير بهم، رغم أن هؤلاء الجنود قالوا إنهم لم يكونوا يعلمون أنهم خرجوا للانقلاب. رأينا الجندى الذى تقطع رأسه، والحقيقة أن من فعلوا ذلك يعبرون عن روح الدواعش التى فى داخلهم. ما قاموا به غجرية ضد المبادئ الإنسانية ولا تعبر عن روح الإسلام، إذا كانوا يدعون أنهم يعبرون عن الإسلام أو أنهم تيار إسلامى، لماذا لم يقتدوا بالنبى (صلى الله عليه وسلم) بعد «غزوة بدر»؟ ألم يكن النبى (صلى الله عليه وسلم) قادراً على تدمير المشركين وقتلهم؟ كان قادراً على ذلك، ولكنه طبق مبادئ الإنسانية والإسلام. هؤلاء الجنود أبناؤكم، إننى حقيقة أشك فى إسلامهم، ولا أعرف أى إسلام هذا الذى يعبرون عنه.
عداء «أردوغان» لـ«جولن» بسبب نصيحة الأستاذ له باحترام «أربكان» وعدم إنشاء حزب جديد.. فتوعده بالقضاء على «الخدمة»
■ هل هناك صور وردت إليك لهذه المشاهد التى تصفها بأنها نتاج خطاب الكراهية؟
- نعم، أذكر لك على سبيل المثال، هناك شخص صاحب مطعم، ولما قيل إنه من محبى الأستاذ «جولن» ذهبوا إليه بشاحنة وهدموا مطعمه. أنصار «العدالة والتنمية» و«أردوغان» يدخلون مساكن البنات ويغتصبونهن، بداعى أنهن يتبعن حركة «الخدمة».
■ وهل وصل الأمر إلى درجة اغتصاب النساء لمجرد أنهن من محبى «جولن»؟
- نعم، وأكثر من ذلك، هناك مجموعة داخل الحزب الحاكم ترى أن نساء وأموال وممتلكات حركة «الخدمة» غنيمة لهم؛ لأنهم بالأساس يكفرون كل من ينتمى إلى الحركة، ويعتبرون أنفسهم فى حرب من أجل بناء دولة إسلامية وإعادة الخلافة العثمانية. فمثلاً من المشاهد الأخرى أنه إذا كان هناك شخص يسير فى الشارع وأشار البعض إليه بأنه يتبع «الكيان الموازى» (تعبير تطلقه الحكومة على حركة الخدمة)، فإنه يتم ضربه وسحقه. بعض المدارس التابعة لحركة «الخدمة» فى العاصمة «أنقرة» أحرقوها، وهناك جمعية خيرية عالمية وهى جمعية «هل من مغيث» دخلوا عليها وكسروها. كذلك دخلوا محلات بيع الكتب وسلبوها. ويدخلون إلى المؤسسات التربوية التابعة للحركة ويحطمونها ويطردون من فيها، ومن يدافع عن نفسه يجيزون قتله. أيضاً وضعوا لافتات كبيرة على المساجد وكتبوا عليها «ممنوع دخول الكيان الموازى»، وبعض المطاعم علقوا عليها لافتات كتب عليها «الموت للكيان الموازى»، وهى مشاهد كنا لا نراها إلا أيام النازيين.
■ وفى رأيك ماذا تعكس هذه التصرفات لدى من يقومون بها؟
- الحقيقة أن هذه المجموعة داخل حزب «العدالة والتنمية» تؤمن أنهم فى مرحلة جديدة لتأسيس «دولة إسلامية» على طريقة «الخمينى» فى إيران، وهؤلاء يعتبرون أنفسهم فى حرب استقلال من أجل إنقاذ تركيا من الكفر، وفقاً لهم. هم الآن يكفرون أبناء «الخدمة» ويستحلون أموالهم ونساءهم، ويسمون أنفسهم مسلمين، وهذه مشاهد غجرية.
■ وفى رأيك، ما النتائج المترتبة على هذا التفكير؟
- هذا التوجه لدى حزب «العدالة والتنمية» لا يمكن أن يولد إلا دواعش، البعد الذى يحمله يقول إنه لا يمكن أن يكون هناك مستقبل لإسلام حضارى. وأنا هنا أستغرب بعض الإسلاميين ووقوفهم الأعمى دون بينة مع هذا التوجه، المسلم يليق به أن يميز بين الحق والباطل. إذا خرج «أردوغان» وطلب إعدام الجميع سيصفق له الجميع، والغريب أن الحزب الحاكم لم يتخذ الموقف ذاته ويطالب بإعدام عبدالله أوجلان الذى قتل حزبه «العمال الكردستانى» نحو 30 ألف تركى، والآن يطالب بإعدام «الانقلابيين».
■ ما سر التحول الكبير فى العلاقة بين «أردوغان» و«جولن»؟ ولماذا بات «جولن» هو العدو الأكبر للرئيس التركى؟
- السر قاله الأستاذ «جولن» فى حوار للصحف العالمية، وتعود البداية إلى قبل نحو 20 سنة، أى عام 1996، عندما ذهب «أردوغان» يشكو نجم الدين أربكان (رئيس وزراء تركيا الأسبق) إلى الأستاذ، ويشكو إليه من أن «أربكان» يتصرف بفردية وبطريقة غير ديمقراطية وأنه، أى «أردوغان»، يرغب فى تأسيس حزب جديد مستقل عن «أربكان»، فكان رد الأستاذ بأن عليه التروى وأن يحترم أستاذه «أربكان».
■ وماذا فى ذلك؟
- هذه النصيحة لم تعجب «أردوغان»، وخرج من عند الأستاذ وهو يقول فى المصعد لمرافقه، الذى نقل تلك الرواية، إذا تمكنت يوماً ما فإن أول ما سأفعله أنى سأقضى على هذا الرجل وجماعته، أى الأستاذ «جولن» وحركة «الخدمة». وها هو «أردوغان» دفنها فى أعماقه وبداية من عام 2012 وحتى الآن وهو يحاول القضاء على الحركة.
■ وماذا أيضاً عن أسباب الخلاف بين الطرفين؟
- أيضاً الأستاذ «جولن» قدم مشروعاً إصلاحياً لتطبيقه فى جنوب شرق البلاد، حيث الغالبية الكردية، وهو مشروع لكسب الأكراد مرة أخرى، حتى لا تكون مشكلة فيما بعد، هذا المشروع أزعج «أردوغان». كذلك، فإن الأستاذ «جولن» نصح «أردوغان» حول وجود فساد فى الحزب الحاكم ورشاوى، لكن هذه النصائح هى الأخرى أزعجت «أردوغان».
■ هل تحول جهاز الشرطة التركى إلى مجرد أداة لدى «العدالة والتنمية»؟
- بصفة عامة أقول إنه لا عيشة كريمة لك فى تركيا إلا إذا كنت فى حزب «العدالة والتنمية» وتتبع «أردوغان»، هذا هو الشىء الذى كنا نقوله على حزب «البعث» فى العراق، لا يمكن أن تتمتع بأى خدمات أو تسهيلات إلا إذا كنت فى الحزب، أى إن «أردوغان» يقيم حزب بعث تركياً إسلامياً.