نصب النصبة، وأخذ فى استخراج أدواته ومعداته ليستعد للـ«نصباية»، أشار لمساعده فاقترب منه حتى يبدأ «الشغل»، نظر إلى الجمهور نظرة باسمة، ثم خرج صوته متحشرجاً وقال: الآن نبدأ «العرض»، تحول الجمهور كالعادة إلى مجموعة من «العيون» المفتوحة على آخرها تركز «بؤبؤها» على اليد الساحرة التى تتحرك بخفة رغم «الرعشة» التى بدأت تصيبها من طول الشغل.
مدّ يده، أخذ شريطا أحمر من فوق النصبة ووضعه فى فمه ثم خبط بيده على قفاه فأخرج بيضة واختفى الشريط. رقص المساعد وأخذ يهتف بصوت يشبه «نقيق» الضفادع «بص شوف حاوينا بيعمل إيه»، سحب «كتكوت صغير» ووضعه فى كمه اليمين ليخرجه «أرنب» من كمه الشمال. وهكذا توالت الألعاب، ومع كل لعبة يأتيها الحاوى يعلو تصفيق وصفير الجمهور ونقيق المساعد.
لم ييأس الحاوى من تكرار الألعاب التى حفظها عن ظهر قلب طيلة ثلاثين عاماً، ولم يمل الجمهور من أن يفتح «بقه» و«تبز» عيناه من «وشه» مع كل لعبة يأتى بها الحاوى، رغم أنه رآها «عشرميت» مرة، إنه «الحاوى» يا خلق الذى يأتى بما لم يستطعه هذا الجمهور من المتفرجين.
ذات يوم وبينما كان الحاوى يمارس ألعابه كالعادة، إذا بشاب صغير يصعد إليه ويوقفه عن الشغل و«الاشتغال»، ويصرخ فى الجمهور: فوقوا يا «مغفلين»!.
كل اللى بيعمله الحاوى ده اشتغالات، وحثبت لكم حالاً.
بدأ الشاب يشرح للمتفرجين كل لعبة من الألعاب ويكشف لهم كيف كان الحاوى يخدعهم ويضحك على «دقونهم»، وهم به منبهرون تتساقط «الريالة» من أفواههم إلى حد لجوء بعضهم إلى تركيب «بافتات» حتى لا يغرق الجالسون حوله، وبينما هم غارقون فى سحره و«ريالتهم» يتحرك مساعده بخفة يد ليلطش ما فى جيوبهم. أفاق الجمهور من غفلته وأخذ يسأل بعضه بعضاً: إزاى سمحنا لهذا الدجال بأن يستغفلنا كل هذه السنين «ويسهينا» ويقفش فلوسنا وأرزاقنا بهذه الطريقة؟
أخذ الناس يصرخون ويسبون ويلعنون.
نظر الحاوى العجوز إلى مساعده ليشور عليه، وكان مساعده مشيراً له، فنصحه الأخير بالتقاعد ففعل.
لم تمض أيام قليلة حتى سعى «المشير» –مفهوم طبعا أننى أقصد مساعد الحاوى- إلى أن يرث صنعة «الحاوى العجوز»، فنصب النصبة كالعادة، واجتمع حوله الجمهور عشماً منه فى مشاهدة ألعاب جديدة، فإذا بالحاوى الجديد يأتى بنفس «الاشتغالات القديمة» التى كشفها لهم الشاب الذى تمرد على «تغفيل» الكبار.
سكت الناس ونظروا إلى بعضهم البعض، وشخص إليهم الحاوى وقال متعجباً: انتوا مش مبهورين ليه، فين «الريالة» و«الريالات»؟. فما كان من المتفرجين إلا أن قذفوه بأحذيتهم ليسدوا بها «مغارة» فمه «المفلس»!.