أقول، تعقيباً على ملاحظة بعض الأعزاء القراء، العنوان قديم استخدمته أكثر من مرة، لكنه يعود ليلح علىّ كلما تأزمت الأزمة.
وسألقى فى طريق البحث عدة معلومات أولية لعلها توقظ من يستعصى على الإيقاظ.
• تقول الأسطورة: كان الشيخ الصوفى جالساً فى أحد الأسواق فأتاه الشيطان قائلاً «مرحباً يا شيخ». رفض الشيخ التحية صائحاً «ابتعد يا سبب كل بلاء». فقال الشيطان «أنا يا شيخ لا أسبب البلاء وإنما هؤلاء البشر، أنا فقط أبدأ ببداية لا قيمة لها، وأنتم تشعلون بها كل شر». ثم توجه الشيطان إلى حلوانى يقلى الزلابية ثم يضعها فى العسل، فمد طرف أصبعه فى العسل ووضع نقطة منه على الحائط، ثم غمز بعينه للشيخ وقال «تفرج». أتت حشرة نحو العسل فرآها كلب عبدالمسيح الحلوانى فظل ينبح ويقفز حتى أوشك أن يسقط وعاء الزيت المغلى فأتى الحلوانى بعصا وضرب الكلب، لكن محمد صاحب محل العطارة وصاحب الكلب هاج وشتم الحلوانى وقال «يا نصرانى يا كافر»، فرد عليه عبدالمسيح صارخاً «أنا نصرانى لكن مش كافر وأنت حمار»، ثم صرخ محمد «جاى يا مسلمين.. الكافر بيشتم المسلمين». وتجمع مَن فى السوق، المسلمون فى جانب والنصارى فى جانب وارتفعت النبابيت والعصى وطاح الجميع فى الجميع وانقلب الموقد واشتعلت النار.. لكن نار الغضب أعمت الجميع وامتدت النيران حتى احترق السوق.
نظر الشيطان إلى الشيخ المفزوع ومضى.
• فى أول مفاوضة بين عبادة بن الصامت، ممثل عمرو بن العاص، وبين المقوقس، قال ابن الصامت «سيكون الأقباط آمنين على أنفسهم وأموالهم، مسلطين فى بلادهم على ما فى أيديهم، وما يتوارثونه فيما بينهم وتحفظ لهم كنائسهم ولا يتعرض لهم أحد فى أمور دينهم» (الفريد بتلر- فتح العرب لمصر- ص287، نقلاً عن الطبرى). ووقع لهم على عهد أمان يقول: «هذا ما أعطى عمرو بن العاص لأهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وبَرّهم وبحرهم» (ص347).
• فى عام 1774، نجحت روسيا فى إجبار العثمانيين على قبول معاهدة «كجوك كينارجى» التى أعطت الروس حق التدخل لحماية الرعايا المسيحيين فى الدولة العثمانية، وفى عصر محمد على أوفد القيصر الروسى أميراً إلى مصر قابل البطريرك بطرس الجاولى وقال له «إننى أعرض عليك باسم جلالة القيصر العظيم حامى حمى الدين الأرثوذكسى القويم أن يدخل أقباط مصر تحت رعايته وحمايته»، ورفض البابا بشدة، ولما سمع محمد على بذلك نزل من القلعة وتوجه إلى دار البطريركية وقام بتحية البابا وقبّل رأسه على ما أبداه من الشهامة فقال البابا: لا تشكر من قام بواجبه نحو بلاد تظله هو وإخوانه فى الوطن. وقال محمد على: «لقد رفعت بعملك هذا شأنى وشأن أمتك» (رياض سوريال- المجتمع القبطى فى القرن 19- ص105).
• وفى عام 1831، وبعد أن فتح إبراهيم باشا بلاد الشام ودخل إلى القدس أصدر «بيورلدى» (فرماناً) وجهه إلى القاضى الأعلى بالقدس وشيخ مسجد عمر ومفتى القدس ونائبه وكل ما هو معنى بالأمر، جاء فيه: «فى القدس معابد وأديرة وأماكن للحج يأتى إليها من أبعد البلدان كل الشعوب المسيحية واليهودية من مختلف الطوائف الدينية وترهق هؤلاء ضرائب ضخمة، والعدل يقتضى إلغاء كل هذه الضرائب. كذلك تلغى كل الضرائب التى تجبى من أديرة ومعابد كل الشعوب المسيحية المقيمة فى القدس من يونانيين وفرنجة وأقباط وأرمن وغيرهم، وبعد صدور هذا الأمر سيعاقب بصرامة كل من يطلب أقل إتاوة من هذه المعابد أو الحجاج إليها ولو كانت على سبيل الهدية الطوعية»، كما أكد «بيورلدى»: «ويسمح للمسيحيين بترميم معابدهم وأديرتهم وتجديدها، وبناء معابد جديدة دون موافقات مسبقة» (أكرر.. دون موافقات مسبقه) (ألبرت حورانى- الفكر العربى فى عصر النهضة- ص81).
• ونقرأ فى مذكرات «فخرى عبدالنور»: عندما ألف سعد زغلول وزارته الأولى قدم للملك فؤاد قائمة وزرائه، وقال فؤاد لـ«سعد» هناك خطأ فى العدد يا باشا، فعدد الوزراء عشرة، والتقاليد أجمعت على أن يكون تسعة منهم مسلمين والعاشر قبطياً، وهؤلاء منهم ثمانية مسلمين ومرقص حنا بك وزير الأشغال وواصف غالى أفندى وزير الخارجية. فرد سعد زغلول «يا مولاى.. هذه وزارة ثورة وليست وزارة تقاليد، فعندما نفى الإنجليز زعماء الثورة إلى جزيرة سيشل نفوا أربعة مسلمين واثنين أقباطاً. وعندما حكموا على قادة الثورة بالإعدام حكموا على أربعة أقباط وثلاثة مسلمين. وعندما كانوا يطلقون الرصاص فى المظاهرات لم يراعوا النسبة بين الأقباط والمسلمين؛ لهذا نحن لا نراعى النسبة اليوم»، ورضخ الملك» (فخرى عبدالنور- مذكرات- ص 13). ويقول أيضاً: رسم سعد زغلول شعاراً سامياً للثورة «الدين لله والوطن للجميع».. فكان اتحاد الأمة تحت دعاء ناقوس الوطنية وفى المظاهرات كان علماء الأزهر وقساوسة الأقباط يسيرون جنباً إلى جنب فى الصف الأول وفوقهم ترفرف أعلام عليها الهلال والصليب. وعندما حل عيد الفصح فى 20 أبريل 1919 ازدحمت البطريركية بالزوار من المسلمين وعلى رأسهم شيوخ الأزهر وطلابه. وفى فندق «شيبرد» وقف سعد زغلول فى اجتماع مهيب ليؤكد «لا أثر عندنا مطلقاً لاختلاف الأديان». فمن يوم أن ظهر فجر النهضة الحاضرة رأينا فى أفق مصر الصليب يعانق الهلال رمزاً للسلام والإخاء (ص114). وعندما أجمعت مصر على رفض التعامل مع «لجنة ميلنر» ورفض الأقباط محاولته الرخيصة لتفريق المصريين، وعاد سعد من المنفى، وقف فى حفل استقبال لتكريمه وقال «أشكر الشيوخ والقسس الذين أبطلوا باتحادهم فرية كان أعداؤنا يتخذونها حجة ففشلوا وتأكد أننا جميعاً فى الوطن سواء» (ص79).
(فقط علينا أن نتذكر المؤامرات التى تحاول حالياً استخدام سلاح التمييز الدينى ضدنا).
وفى حفل آخر تحدث القمص يوحنا إلياس نائبا عن البطريرك ليقول: منذ 1329 عاماً اعتاد المسلمون أن يروا ليلة القدر فى رمضان لكنها أتت الآن فى شهر رجب (فقد عاد سعد من المنفى فى أبريل 1921 الموافق رجب 1329).
ووقف يوسف رفعت القاضى بالمحاكم الأهلية ليلقى قصيدة جاء فيها:
«رددت على الهلال بمصر مجداً
تقلص بعد عهد الراشدينا
وأعززت الصليب بمصر حتى
كأن القبط فى أيام مينا».
لكن حكاياتنا تمتد إلى عمق تاريخى أعمق بكثير. ونواصل.