لماذا أيّد الشعب التركى رئيسه المستبد «رجب طيب أردوغان» ورفض انقلاب قطاع من الجيش عليه؟
هل هو التمسك بديمقراطية «شكلية» لا تتجاوز «الانتخابات الرئاسية»، أم أن الشعب يدافع عن عاصمة «الخلافة الإسلامية والدعارة المقننة» التى تنفرد بها «إسطنبول»؟!
أغلب الظن أن الشعب الذى عانى عدة انقلابات من الجيش على السلطة (آخرها عام 1997 حينما أطاحوا بحكم نجم الدين أربكان) لم يعد يتحمل انقلاباً جديداً يبدد اقتصاده، وفضّل الإبقاء على المعارضة المستأنسة، والخنوع لعمليات الكبت وقمع الحريات المسكوت عنها فى مدن تركية مثل (هاتاى وأضنة وإسكيشهير)، التى لم تذكر حكومته ما خلفته الأحداث فيها من ضحايا!
أو أن الشعب التركى أصبح فى حالة «تماثل» مع رئيسه: مصاباً بالشيزوفرينيا، مثل «دكتور جيكل ومستر هايد»: (نصفه علمانى يحلم بالانضمام للاتحاد الأوروبى والنصف الآخر إسلامى يحلم باستعادة دولة الخلافة العثمانية)، وما بين الحلمين يعيش «مسلسلات» مناهضة للفوارق الطبقية تُبرز التناقض الفج بين سكان القصور (أقلية) وخدامهم (الأغلبية).
لقد كان عمر الانقلاب الفاشل على «أردوغان» أقصر من مشاهد اغتصاب «فاطمة» فى المسلسل التركى الشهير، لأن «تركيا» مجرد «عاهرة» لا شرف لجنودها أو شعبها ولا حليف دولياً يناصرها فى تمردها على الطغيان.
لقد وقف «أردوغان» ينادى ميليشياته المسلحة، أسفل صورة للزعيم الراحل «مصطفى كمال أتاتورك»، مؤسس الدولة العلمانية التركية الحديثة، لاستمالة كل أطياف الشعب، رغم أنه سبق أن شكك فى إسلام المعارضة التركية وقال: «إنهم دنسوا مساجدنا وصبرنا، وشربوا الخمر فى مساجدنا وصبرنا».. فهو رجل يجيد الرقص على كل الحبال، ومغازلة مشاعر العلمانيين والقتلة من الإسلاميين فى آن واحد، مستغلاً صمت الجميع على فساده المالى ومحاولته وسعيه لتغيير الدستور لصالحه.
وتغلبت الميليشيات الإرهابية على قوات الجيش (ثانى أكبر جيش فى الناتو بعد الجيش الأمريكى، يحتل المرتبة 15 عالمياً فى الإنفاق العسكرى).
ورأينا أبشع مشاهد على موقع «سى إن إن ترك» لجنود الجيش التركى الذين تم اعتقالهم على خلفية الانقلاب الفاشل (اعتُقل أكثر من 7543 شخصاً من بينهم 6038 عسكرياً)، وهم «شبه عراة» معصوبى الأعين، عراة الصدور، ملقون على وجوههم فى حجرة ضيقة فوق بعضهم البعض، وكأنهم فى «جونتانامو».. و«أردوغان» لا يزال يلح فى استنفار ميليشياته قائلاً: «علينا أن نواصل المسيرات والاعتصامات ومواصلة إفشال الحيل والدسائس لأنهم يعرفون كيف يطعنون بالظهر»، ويطالب أمريكا بتسليمه الداعية التركى «فتح الله جولن» الذى يتهمه بالتخطيط للانقلاب، وتطبيق عقوبة «الإعدام» على خصومه.
لهذا يعتقد البعض أن «أردوغان» لم يكن فقط على علم مسبق بالانقلاب، بل ربما يكون قد مهّد الطريق له ليتمكن من تصفية كل فصائل المعارضة التى تهدد ديكتاتوريته.
فحملة الاعتقالات الواسعة التى شهدتها تركيا لقادة الجيش والقضاة (أطاح بـ2745 قاضياً، واحتجز غالبيتهم)، والإعلاميين وغيرهم، تؤكد أن «أردوغان» هو المستفيد الأول من الانقلاب الفاشل، فقد بدا الجيش منقسماً من الداخل أمام الرأى العام التركى والعالمى.. مما يسمح لـ«أردوغان» بتصفية رموزه وإخضاعه لنرى فى «سابقة تاريخية» الشرطة تسيطر على الجيش!.
كما أن الفرصة مهيأة لإدانة المفكر «عبدالله جولن» وأنصاره، والانتقام منهم بعدما فضحت حركته فساد «أردوغان».. ولهذا يركز فى كل خطاباته الحماسية على توريط ما سماه «الكيان الموازى».
نحن الآن إذن أمام نظام ديكتاتورى يرفع شعاراً دينياً تحكمه «ميليشيات مسلحة» تابعة للرئيس الذى سيطر على مفاصل الدولة طوال فترة وجوده رئيساً للوزراء.
دولة تتغذى على الفساد المالى والأخلاقى، تؤوى الإرهابيين من كل الجنسيات، وتصدّر الإرهاب للعالم.. لا وجود فيها لدستور أو قانون، فالغلبة هنا للسلاح.. أو «لمن حكم»!.
لكن جبروت «أردوغان» وبطشه بالجميع يسطر فعلياً نهايته القريبة، فقوات الجيش لن تقبل بالقهر والإذلال الذى لاقاه الجنود، والقضاة لن يقبلوا بـ«مذبحة جماعية» تغتال العدالة مع قطع رؤوسهم، وميليشات «أردوغان» لن تحمى مستقبله السياسى ولن تحقق طموحه الأعمى بعدما أصبح «عارياً» أمام المجتمع الدولى الذى كان على وشك قبوله عضواً فى «الاتحاد الأوروبى».
لقد تحولت «تركيا» من دولة «علمانية» أسسها «أتاتورك» إلى «بيت دعارة» يحكمه «قواد ملتح» بيده مسبحة ملوثة بدماء الأبرياء يعد عليها قتلاه وضحاياه وثروته الفاسدة.. ودخلت فى نفق مظلم.. ربما لأن الدعارة حتى لو كانت علنية لا تمارس إلا فى الظلام!