مع ازدياد الشكوى العامة من تدنى مستوى التعليم الجامعى وتجمده فى قوالب قديمة عفا عليها الزمن، نجد أن وزارة التعليم العالى والدولة عموماً تمضى على ذات النهج فى تأكيد بقاء الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر السفر إلى أى دولة متقدمة ليحصل منها على تعليم جامعى يواكب العصر والتقنية والثورة المعرفية الهادرة فى كل مكان إلا فى المحروسة!
ولقد استشعر أحد وزراء التعليم العالى فى عام 2008 أهمية البحث لدى الخبراء فى العالم عن علاج لمشكلات وزارته، فطلب من البنك الدولى ومن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD تكوين فريق من الخبراء الدوليين فى شئون التعليم وتطوير الجامعات لمراجعة «السياسات الوطنية للتعليم العالى فى مصر»، وقد حدد المسئول عن التعليم العالى المصرى كما وصفه التقرير منذ البداية عدة مجالات تثير القلق وتسترعى الاهتمام فيما يتعلق بالسياسات، من بينها تساؤلات عن نقاط القوة والضعف فى نظام التعليم العالى المصرى فى مقابل القدرة ومستويات الأداء الدوليين، وجودة الخريجين وصلتها بالاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية فى مصر، ومدى التوازن بين التعليم الجامعى والتعليم والتدريب المهنيين، وفاعلية الانتقال من التعليم الثانوى إلى التعليم العالى، ودور كل من مقدمى التعليم العالى العام والخاص، ومكانة البحث العلمى فى نظام التعليم العالى، وهيكل الحوافز المالية لتحسين الأداء فى مؤسسات التعليم العالى، ومدى ملاءمة سياسات الحكومة وأنظمتها الرامية إلى تطوير التعليم العالى المصرى، ومدى جودة توجيهها وفاعليتها، وقد دعا المسئول المصرى الفريق الدولى إلى التعليق بوجه عام على حالة التعليم العالى فى مصر والمسائل المتصلة بتطويره فى المستقبل.
ورغم أن كل تلك التساؤلات يعلم الإجابة الدقيقة والصريحة عنها خبراء وأساتذة الجامعات المصريون، فإنه كان لا بأس من استطلاع الخبرة الدولية وتحمل مصر جانباً من تكلفة تلك الدراسة.
وتم تشكيل الفريق وكان من أعضائه مديرة وحدة التخطيط الاستراتيجى فى وزارة التعليم العالى المصرية، التى قدمت للفريق التقرير الذى كانت قد أعدته الوحدة فى عام 2008 بعنوان: التعليم العالى فى مصر: تقرير معلومات أساسية.
وبرغم أن مصر هى التى طلبت التقرير وساهمت بتحمل جانب من تكلفته واستقبلت وفد الخبراء الدوليين فى شهر أكتوبر 2008، وتوالى أحد عشر وزيراً على وزارة التعليم العالى منذ طلب ذلك التقرير حتى اليوم، فلا يزال التقرير مهملاً فى أضابير الحكومة، وللعلم هذا التقرير موجود منذ 2010 على بوابة الإحصاءات القومية للتعليم العالى بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء على الرابط http: //higheducation.idsc.gov.eg/Front/ar/publishings.aspx!!! ولا تزال جهود تطوير التعليم العالى والجامعات منحصرة فى محاولات كل وزير للتعليم العالى أن يُصدر قانوناً جديداً لتنظيم الجامعات، ولا تزال الجامعات والمعاهد العليا المصرية على حالها من التخلف والتقليدية والابتعاد عن أى مظاهر للتطور أو التقدم.
وقد صدر تقرير المنظمتين الدولتين فى 2010 بعنوان «مراجعات سياسات التعليم الوطنية التعليم العالى فى مصر»، احتوى بكل الوضوح على توصيف لواقع التعليم العالى (الجامعى) والتحديات التى تواجهه وأسس ومحاور إعادة هيكلة المنظومة الوطنية للتعليم العالى فى مصر. وجاء فيه: إن نظام التعليم العالى المصرى لا يخدم جيداً الاحتياجات الراهنة، وإنْ لم يحدث إصلاح واسع النطاق فسوف يحول دون التقدم الاقتصادى والاجتماعى فى مصر، وقد أجرت الحكومة المصرية، من أجل بناء الوطن وتحديثه، إصلاحات كبرى بينما يظل نظام التعليم العالى فى حاجة إلى إعادة بناء فى هذا السياق، ولا يزال إنتاجه موجهاً إلى حد كبير نحو اقتصاديات الماضى، وتعبر توقعات المجتمع المحلى منه عن فهم لدوره عفا عليه الزمان، وثمة حتمية لإجراء إصلاح جوهرى لنظام التعليم العالى المصرى. وتنشأ هذه الحتمية عن ضغوط تنشأ عن حاجة مصر إلى تحسين قدرات التنافسية فى الاقتصاد العالمى القائم على المعرفة، حيث تكثف بلدان أخرى استثمارات فى رأس المال البشرى وإنتاج المعرفة، وتوفير الخدمات التعليمية على النحو المناسب لعدد متزايد ومتنوع من الطلاب، والحد من التفاوتات الاجتماعية الناشئة عن الاختلافات فى فرص التعليم، كما أن هناك ضرورة لتطوير التعليم العالى بسبب قلة المجالات المتاحة للطلاب وفرص الوصول إليها، ورداءة نوعية المدخلات والعمليات التعليمية، والقصور واختلالات التوازن فى نوعيات الخريجين مقارنة باحتياجات سوق العمل، وعدم كفاية تطوير القدرات البحثية الجامعية والروابط مع نظم الابتكار الوطنية.
وشدد التقرير على حتمية إجراءات حاسمة لتحسين الاتساق على صعيد السياسات، والاستجابة المؤسسية، وفاعلية تكاليف النظام وبصفة خاصة، وثمة ضرورة إلى توجيه ما يتخذ من إجراءات نحو الحد من الجمود الهيكلى فى نظام التعليم العالى وتحسين التوجيه والتنسيق على الصعيد الوطنى. وتوسيع نطاق الاختيارات المتاحة للطلاب، وزيادة قدرة ومرونة مؤسسات التعليم العالى فى ظل نظام أكثر تنوعاً، وتحسين توافر المعلومات لتوجيه الطلاب فى اختياراتهم، وتمويل النظام بأسلوب يتسم بمزيد من العدالة والكفاءة وبطريقة قابلة للدوام.
وكان من أهم توصيات التقرير تغيير أسلوب التنسيق المركزى كطريق وحيد لالتحاق الطلاب بالجامعات اعتماداً على مجموع الثانوية العامة، وضرورة اتباع نظم أخرى كتنظيم اختبارات تكشف عن قدرات ورغبات الطلاب، كذلك أوصى التقرير بإعادة هيكلة إشراف الدولة على الجامعات وذلك بمنح الجامعات مزيداً من الحرية والاستقلال فى إدارة شئونها وزيادة المرونة المؤسسية والقدرة على الإدارة الذاتية وإعطاء الجامعات الحكومية وضع الشركات الحكومية مع تكوين مجلس أمناء لكل جامعة له سلطة الإشراف على شئونها الأكاديمية والتنفيذية وفقاً لرسالتها المتفق عليها ورهناً بأساليب المساءلة المناسبة.
كما اقترح التقرير النظر فى إنشاء مجلس أعلى أوحد للتعليم العالى يشترك فى رئاسته وزير التعليم العالى ووزارة الدولة للبحث العلمى، ويمكن أن يكون هذا المجلس هو هيئة التعليم العالى صاحبة السلطة العليا فى تخطيط وتنسيق وتقديم خدمات المعلومات للتعليم العالى فى مصر، التى تغطى كافة المؤسسات ومقدمى الخدمات التعليمية: المؤسسات الحكومية، والخاصة غير الهادفة للربح والهادفة للربح، والكليات التكنولوجية، والمؤسسات الأجنبية، والجامعة المفتوحة، وأن يضطلع المجلس الأعلى الجديد بالمسئولية عن التخطيط الاستراتيجى، وجمع المعلومات، وتحليلها، وإعداد التقارير بشأنها، وإدارة برامج التمويل، بما فيها المنح الدراسية والقروض المقدمة إلى الطلاب، وصناديق الاستثمار الاستراتيجية المتفقة مع الأولويات الوطنية، وتقديم المشورة إلى الوزير بشأن إنشاء المؤسسات وفروع المؤسسات الجديدة وطرائق التمويل المؤسسى وما يتصل بذلك من إعداد تقارير المحاسبة، وأن تدمج فى المجلس الأعلى الجديد الوظائف التى يمارسها حالياً المجلس الأعلى للجامعات، والمجلس الأعلى للجامعات الخاصة، والمجلس الأعلى للكليات التكنولوجية ووظائف وزارة التعليم العالى المتعلقة بسير العمل فى المؤسسات.
كما اقترح التقرير إصدار قانون موحد لكل الجامعات والمعاهد العليا الحكومية والخاصة والأهلية والكليات التكنولوجية، كل ذلك مع زيادة الاهتمام بجودة التعليم العالى والتوجه إلى استراتيجية للتدويل يتم بمقتضاها التفاعل الإيجابى لمؤسسات التعليم العالى المصرية مع محيطها الدولى.
ولكل من يريد الاطلاع على ذلك التقرير يمكن الدخول على الرابط التالى: https: //www.oecd.org/edu/skills-beyond-school/44913775.pdf