شهدت الأيام القليلة الماضية استفزازات عديدة من الجانب الإثيوبى لمصر. سفير إثيوبيا بالقاهرة أعطانا -منذ أيام- محاضرة طالب فيها بمراجعة المقولة التى تقول «مصر هبة النيل»، ونبهنا مشكوراً إلى أن مصر هبة المصريين.. نورت المحروسة!.. ذكر السفير أيضاً أن النيل يجب ألا يكون حكراً على دولة!.. تمام.. لكنه بعد ذلك قال إن إثيوبيا ستبنى سداً آخر غير سد النهضة، الأمر الذى يمكن أن يبرر تلك العبارة التى ذكرها الدكتور أحمد المفتى، عضو اللجنة الوطنية السودانية لسد النهضة «المستقيل»، فى حواره مع جريدة «المصرى اليوم»، حين ذكر أن إثيوبيا تريد تحويل النيل إلى حنفية تتحكم فيه هي!. بعدها اتخذت إثيوبيا قراراً بحظر صادرات أدوية مصرية إليها، قيمتها 75 مليون دولار!.
فى مقابل العنجهية والتعالى الإثيوبى يتعجب المرء من ردود فعل بعض المسئولين المصريين، الذين يعتمدون اللين فى سياستهم مع إثيوبيا، وكأنها «ماسكة علينا ذلة»، على سبيل المثال وزير الصحة كان فى إثيوبيا قبل شهر من صدور قرارها بحظر الأدوية المصرية، وبعد اتخاذ القرار طار من جديد إلى أديس أبابا «عشان يصلح» مع المسئولين هناك!. جميل أن يجتهد وزير الصحة من أجل الـ75 مليون دولار، لكن ذلك لا يعنى بحال عدم الصد أو الرد على تمادى المسئولين الإثيوبيين فى تلك التصريحات الاستفزازية، خصوصاً أنها تأتى قبل مدة وجيزة من ملء سد النهضة بالمياه، فى وقت لم تصل فيه الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) إلى اتفاق حاسم على المكتب الذى سيدرس الآثار الجانبية للسد، بسبب مماطلة إثيوبيا.
أستطيع أن أتفهم مسألة السكات واللين التى تنتاب المسئولين المصريين إزاء الاستفزاز الإثيوبى فى إحدى حالتين، أولاهما أن يكون المسئولون مدفوعين فى ذلك بالرغبة فى الوصول إلى حل توافقى ما مع إثيوبيا، فيما يتعلق بملء سد النهضة بصورة لا تضر بالمصالح المصرية، لكن ماراثون المفاوضات والاجتماعات الثلاثية والسداسية يؤكد أن ثمة عراقيل لا تنتهى تضعها إثيوبيا فى هذا الاتجاه. الحالة الثانية أن تكون مصر «نايمة» على حل حاسم، لا يعتمد على الكلام، بل يعتمد على الفعل. البعض على سبيل المثال وضع الحل العسكرى، بين الحلول المطروحة فى هذا السياق، لكن وزير الخارجية سامح شكرى نفى لجوء مصر إلى هذا الحل فى أكثر من مناسبة، أضِف إلى ذلك أن «التوقيت» يعد من شروط نجاح مثل هذه الخطوة، ويقدر البعض أن الظرف الحالى يشير إلى أن أوان الحل العسكرى فات.
إذا كانت المفاوضات متعثرة، بسبب العنجهية الإثيوبية، والحل العسكرى غير وارد، فالحكومة أمام واحد من استحقاقين، الاستحقاق الأول أن تخرج وتصارحنا بصورة مباشرة بأن حصتنا فى مياه النيل ستتأثر خلال فترة ملء سد النهضة، وتوضح لنا بشكل مباشر الإجراءات والتدابير التى ستتخذها والواجب على الشعب التعاون معها فيها لمواجهة هذه المشكلة الكبرى، الاستحقاق الثانى أن تكون الحكومة واثقة أن مصر لن تتأثر بسد النهضة بصورة مرعبة أو كبيرة، وفى هذه الحالة عليها أن توضح للشعب الأمر. الحكومة مطالبة بمصارحة الشعب طوعاً، لأن الأيام القادمة سوف تجلى الأمور كرهاً، اعتماداً على المصارحة الإثيوبية التى تصل إلى حد الاستفزاز!.