يبدو أن أسلوب التعامل التقليدى مع المشكلات أصبح ديدننا، وهى مسألة أصبحت بحاجة إلى إعادة نظر، فمن يواجه مشكلة بحل سبق أن جربه مرة أو مرات، هو ببساطة واحد من اثنين: إما أنه شخص لا يريد أن يحل، أو شخص لا يمتلك القدرة على التفكير بأساليب بديلة لتلك التى اعتاد عليها. وفى الحالتين ستبقى المشكلة قائمة وشاخصة ببصرها وضاربة بنابها فى لحم العباد.
أقول ذلك بمناسبة أسلوب التعامل مع مشكلة الدولار التى تفاقمت خلال الأيام الأخيرة. اجتمعت الحكومة كالعادة واتخذت قرارات لضرب السوق السوداء، وهى قرارات محفوظة سبق أن سمعناها أكثر من مرة فى مواقف شبيهة، بعدها سمعنا عن قرارات اتخذها البنك المركزى بشطب شركات صرافة، ومداهمة أخرى ومصادرة ما فيها من عملة أجنبية، وأعلن المسئولون داخل «المركزى» أن الحملات متواصلة، ليس ذلك وفقط، بل لقد عدنا إلى أكثر الطرق ركاكة فى التعامل مع المشكلات، والمتمثلة فى أسلوب ردع الناس برجال الدين، فخرج بيان عن الأزهر يدين التلاعب بالعملة ويشجب الاحتكار، ويبين الموقف الفقهى من المحتكرين، ويوضح كيف أن الإسلام يحارب الاحتكار فى كل المجالات، بما فى ذلك احتكار العملة. كلام رجال الدين على «راسى» بالطبع، لكن توظيفه فى هذا الموقف لا يقل ركاكة عن توظيفه السابق فى محاولة إقناع الناس بتنظيم الأسرة، التى كشفت عن خطورة هذا الأسلوب فى الإقناع، فى ظل حقيقة أن تأويلات الدين تختلف من فرد إلى فرد، ومن فقيه إلى فقيه، ومن مجتمع إلى آخر، فيمكن أن يؤول أحدهم آية أو حديثاً بصورة تتناقض مع التأويل الرسمى الصادر عن الأزهر!.
لا نستطيع أن نراهن على أن المشكلات يمكن أن تحل باجتماع حكومى، أو انتفاضة فرق تفتيش، أو بيان صادر عن الأزهر، أو فتوى شرعية صادرة عن المعنيين بالأمر، مشكلتنا الحقيقية ليست فى سوء السلوك، ومحاولة استغلال المشكلات من جانب البعض، قدر ما تتحدد فى الأجواء الاقتصادية التى تحياها مصر منذ عدة سنوات، تعطلت خلالها مصادر الحصول على الدولار، من عوائد قناة السويس، ومن السياحة، والاستثمار، وتحويلات المصريين فى الخارج. المناخ السيئ لا بد أن يؤدى إلى سلوكيات سيئة يستدعى فيها ضعاف النفوس أحط ما فيهم.
أنا على استعداد أن أتفهم الإجراءات التى تتخذها الحكومة ومؤسسات الدولة المصرية، وأقدرها تماماً، إذا كانت الحكومة قد صاحبتها بخطة توضح فيها للمواطن بمنتهى الشفافية أوضاعنا الحالية، فيما يتعلق بمشكلة الدولار، والخطط التى تعتمد عليها لحل المشكلة خلال فترة زمنية محددة، فى هذه الحالة من الممكن أن يستوعب المتابع أن هذه الإجراءات التقليدية تأتى فى سياق التعامل المؤقت مع المشكلة، وأن الحكومة تمتلك خطة واضحة المعالم والأهداف لاستئصال المشكلة من جذورها، أما محاولة الردع بالقانون أو برجال الدين فطرق قديمة وعقيمة تقفز على واقع المشكلة وتحلق بها بعيداً، وتعيد تجربة حلول سبق أن جربناها ولم تغن عنا من المشكلة شيئاً.