منذ فبراير 2011 وبعض القوى السياسية والشبابية تطالب بتشكيل مجلس رئاسى مدنى، ومنذ فبراير 2011 وأنا أسجل رفضى له وتحفطى عليه. ومنذ ما يربو على عام ونصف العام كما اليوم ليس لرفضى للمجلس الرئاسى علاقة باعتراض على الشخصيات العامة المتداولة لعضوية المجلس التى أحترمها جميعاً، بل بالاعتراض على إنشاء كيان استثنائى لا شرعية ديمقراطية له.
منذ 11 فبراير 2011 وهدفى أن ننتهى من الإدارة الاستثنائية التى يمثلها المجلس العسكرى من خلال وضع الدستور وانتخاب مؤسسات تشريعية وتنفيذية تعبر عن الإرادة الشعبية (كما يحويها صندوق الانتخابات). وموقفى هنا مرتبط بقراءة لخبرات التحول الديمقراطى فى العالم التى نجح معظمها ببناء المؤسسات الطبيعية للحياة السياسية، أى البرلمان والسلطة التنفيذية، فى إطار ممارسة حرة وصلاحيات واضحة.
وإن كان للمطالبة بمجلس رئاسى مدنى لإدارة شئون البلاد بدلا من المجلس العسكرى بعض المعنى والمصداقية فى 2011، فهى اليوم وبعد أن قطعنا شوطاً فى بناء المؤسسات الطبيعية لا مغزى لها.
أدرك العثرات التى وقعنا بها فى مسار لم يكن أوله وضع الدستور وعلامات الاستفهام الواردة على العمليات الانتخابية، إن التشريعية أو الرئاسية. إلا أن إلغاء الأمر بالكامل والعودة إلى المربع صفر يضعان مصر فى معية أخطار أقل ما ستنتجه هو إحباط فرص التحول الديمقراطى. كذلك تعنى المطالبة بالمجلس الرئاسى، وأدرك نبل أهداف المطالبين به وخوفهم على ثورة تضيع بعد أن وضعتنا الانتخابات الرئاسية فى اختيار صعب بين ممثل النظام القديم وممثل الإسلاميين (دون مساواة بينهما)، إطالة الفترة الانتقالية على نحو يهدد مصر بغياب السياسة بمؤسساتها الطبيعية، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لتطورات مشابهة لحالة أوكرانيا منذ سنوات.
الأفضل لنا هو أن نتعامل مع طرح المجلس الرئاسى بصورة وظيفية، أى تحويله إلى فريق رئاسى بصلاحيات محددة وإلى حكومة ائتلافية واسعة وإلى جمعية تأسيسية متوازنة للدستور. يستطيع المرشحون للرئاسة، الذين خرجوا من الجولة الأولى، ومعهم الدكتور البرادعى، أن يتفاوضوا مع الدكتور مرسى على تشكيل فريق من النواب بصلاحيات محددة وعلى قصر صلاحيات الرئاسة على السياسة الخارجية والأمن القومى والدفاع، وعلى تشكيل حكومة ائتلافية رئيسها من خارج «الحرية والعدالة»، وعلى الانتهاء من الجمعية التأسيسية الآن ودون مماطلة. وينبغى أن يتم التفاوض علناً وقبل جولة الإعادة وإن نجح يمكنهم أن يدعوا مؤيديهم للتصويت لمرسى. فالإخوان مهما اختلفنا معهم فى صلب الجماعة الوطنية المصرية ولا يملك أحد إلغاءهم. ويستطيعون أيضا الانتظار إلى ما بعد انتخابات الإعادة ومطالبة مؤيديهم بالمقاطعة بإبطال الصوت، وهو موقفى.
تبقى معضلة قانون العزل وعدم تفعيله فى الانتخابات الرئاسية، وتلك أتناولها بعمود الغد إن شاء الله.