عيد الحب فى بلاد الكراهية عبث، الحب فى وطنى مطارد تبحث عنه الخفافيش والضباع حتى تأكل أفراخه الصغيرة، لتنزع زغب العشق الملون عن جسدها وهو مازال وليداً يناوش الشمس ويراوغها بألوانه، العشق فى بلدى مدان يحرّم ويجرّم الاحتفال به.. مكبوتون يؤرقهم فحيح الجنس الذى لا يستطيعون أن يدمجوه فى مشاعر حب وود ولا يقدرون على رسمه بريشة الحنان وألوان السعادة، فكيف يحب الإنسان أو بالأصح الكائن الذى يهدد رفيقة حياته وسريره وسرائره بأنها إذا لم تمارس معه ستصبح ملعونة، وبالطبع يستعير لهذه اللعنة قاموساً من السماء، ويرهبها بأنها إذا رفضت رغبته وشهوته حتى ولو كانت فى مزاج معتل أو نفسية مضطربة فمكانها فى قاع الجحيم؟! الغرب يطلق على الجنس صناعة الحب ونحن نجعل من الجنس نهاية الحب ومقبرته ومخزن نفاياته. يضحك الرفاق حين يذكر أمامهم أن سبب كل بلاوينا النفسية والاقتصادية والسياسية هى أننا لا نجيد الحب، لا نعرف أبجدياته ولا نفهم طقوسه ولا نستمتع بسحره. أيادٍ مرتعشة على الكورنيش لا تستطيع أن تبنى وطناً، عيون متلصصة لزجة على قصص حب وليدة لن تنجز حضارة، شباب مكبوت مغيب يتصارع مع جسده المرهق فى مجتمع ضنين المشاعر بخيل العواطف يضحك على نفسه ويكذب على أبنائه بأنه مجتمع العواطف والمشاعر فى مقابل مجتمع المادة الساكن هناك فى الثلج والصقيع، الحق أننا بلد يسكن صقيع المشاعر، والصحيح أننا وطن يقطن جليد العواطف. نعشق النفاق وندمن الكذب، وموهبتنا فذة فى السخرية من الآخر المتقدم المتحضر الذى نتربص به عندما يعلن عن الحب فى النور لنظل نحن فى خنادقنا نفعل كل شىء ولكن فى السر، وبالطبع ما دام فى السر ومستوراً ومخفياً وترابه أسفل طرف السجادة فنحن الأنظف والأكثر أخلاقاً والأمة المصطفاة المختارة.
كنا فى الماضى أشجع فى إعلاننا عن الحب واحتفائنا به، وقت أن كان الفقيه ابن حزم، هذه القامة الفقهية العملاقة، يتحدث عن أدق تفاصيل الحب فى «طوق الحمامة»، هذا الكتاب المطارد المنبوذ المنفى من جنة مناهج التعليم ومكتبات المدارس، يقول ابن حزم: «الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقّت معانيه بجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر فى الديانة ولا بمحظور فى الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله -عز وجل-»، فهل سنستمع إلى ابن حزم وهو يحتفى بالفريضة الغائبة .. الحب؟ هل سنستمع إلى العربى، الذى مسته كهرباء الغرب المقدس للحب، «جبران»، وهو يقول:
«إذا أومأ الحب إليكم اتبعوه، وإن كان وعراً كثير المزالق.. وإذا بسط عليكم جناحيه فأسلموا له القياد، وإن جرحكم سيفه المستور بين قوادمه.. وإذا حدثكم فصدقوه، وإن كان لصوته أن يعصف بأحلامكم كما تعصف ريح الشمال بالبستان. إن الحب إذ يكلل هاماتكم، فكذلك يشدكم على الصليب، وهو كما يشد عودكم يشذب منكم الأغصان، وإذا أحببت فلا تقل: (لقد وسع قلبى الله)، ولكن قل: (و سعنى قلب الله). والحب لا يعطى إلا ذاته، ولا يأخذ إلا من ذاته. والحب لا يملك ولا يملكه أحد، فالحب حسبه أنه الحب».