500 ألف عامل فى مصانع النسيج مهددون بـ«التشرد»
مستقبل عمال القطاع الخاص مهدد بالتشرد
ارتفعت صيحات الغضب بين ما يزيد على 500 ألف عامل وعاملة فى نحو 1200 مصنع للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى، فى محافظة الغربية، بسبب استمرار تجاهل الحكومة لنداءاتهم المتكررة بإنقاذهم مما وصفوه بـ«جشع» الشركة القابضة لصناعات الغزل والنسيج، التى تقوم ببيع الخامات ومستلزمات الإنتاج إلى أصحاب المصانع بأسعار مبالغ فيها، بحسب سعر الدولار فى السوق السوداء، وليس بحسب سعره الرسمى فى البنوك، ما دفعهم إلى التهديد بالتوقف عن العمل، وتشريد العمالة.
«الوطن» تنفرد بنشر فواتير بيع الخامات ومستلزمات الإنتاج بسعر السوق السوداء للدولار.. وارتفاع كيلو الغزل من 23 جنيهاً إلى 45 جنيهاً
وأرجع أصحاب المصانع، ومن بينهم أكثر من 150 مصنعاً تقوم بتصدير إنتاجها إلى الأسواق الخارجية بدول الشرق الأوسط وحوض النيل وأوروبا، سبب تهديدهم بتوقف العمل فى مصانعهم إلى «استمرار تعنت مسئولى الشركة القابضة لصناعات الغزل والنسيج، وإصدار سلسلة من القرارات العشوائية وغير المنضبطة»، بحسب وصفهم، حيال أسعار المواد الخام من الغزول ومصادر الطاقة المقرر صرفها وبيعها لهم.
ورصدت «الوطن» من داخل أحد مصانع الغزل والنسيج بمدينة المحلة معاناة أصحاب المصانع وآلاف العاملين بها، نتيجة ما اعتبروه «استمرار سيناريو التخسير شبه المتعمد»، من بعض مسئولى الدولة، وعلى رأسهم قيادات فى الشركة القابضة، وأعضاء باللجنة الوزارية للصناعة، بمجلس الوزراء، التى تضم وزراء الصناعة والتجارة والقوى العاملة والمالية والاستثمار والتخطيط وغيرهم.
وبدأ «ناقوس الخطر» يدق أجراسه فى كافة نواحى المنطقة الصناعية، التى تقع على مساحة أكثر من 50 فداناً فى قلب المدينة العمالية، بسبب التدهور المستمر لواحدة من أكبر القلاع الصناعية فى مصر، فى ظل تجاهل المسئولين لخطر إغلاق المصانع، وتشريد عشرات الآلاف من العمال فى الشارع، تحت سطوة غلاء أسعار السلع، وارتفاع تكاليف المعيشة على عاتق أسرهم.
وتنشر «الوطن» وثائق ومستندات وفواتير رسمية، تم اعتمادها لبيع المواد الخام والغزول من جانب عدد من الشركات الحكومية، التابعة للشركة القابضة لصناعات الغزل والنسيج، ومن بينها شركة «مصر للغزل والنسيج»، و«وبريات سمنود»، و«النصر للغزل والنسيج ومواد الصباغة»، وتحدد فيها أسعار بيع الخامات لكافة مصانع الغزل والنسيج الخاصة، والبالغ عددها أكثر من 100 مصنع، حيث وضعت سعر «الخيوط فئة 1|24»، حسب نوعية القطن السودانى عند 35 ألفاً و170 جنيهاً للطن، بينما خيوط القطن اليونانى أو البنينى أو البوركينى، يبلغ سعره 41 ألفاً و311 جنيهاً للطن، و«جيزة 90» و«جيزة 95» بسعر 42 ألفاً و985 جنيهاً للطن، بينما بلغ سعر الخيوط من قطن «جيزة 86»، 44 ألفاً و660 جنيهاً للطن.
«مسعد»: «الدولة بتاكل العمال».. و«القلينى»: «لازم يعاملونا زى مصانع القطاع العام.. مش كلنا مصريين؟»
وحددت الشركة القابضة أسعارها لبيع «الغزل لفئة 1|30»، وفق أسعار منتح القطن السودانى بـ36 ألفاً و845 جنيهاً للطن، بينما غزل القطن اليونانى والبوركينى والبنينى بلغ سعره 42 ألفاً و985 جنيهاً للطن، وقطن «الجيزة90»، و«جيزة 95»، جاء سعره 44 ألفاً و660 جنيهاً للطن، وحددت سعر بيع قطن «جيزة 86» 33 ألفاً و546 جنيهاً للطن.
وشددت الشركة القابضة، فى تعاقدات بيع الغزول والمواد الخام مع المصانع الخاصة، على ضرورة الالتزام بأسعار الضريبة المفروضة على سعر بيع الخام وفق الأسعار العالمية، بموجب اشتراطاته، أنه فى حالة الموافقة بين الطرفين على بيع «الغزول المزوية»، تتم إضافة 2000 جنيه حتى «فئة 30»، ما أثار حفيظة أصحاب المصانع، خصوصاً شعبة المصدرين من أعضاء الغرفة التجارية، وأعضاء اتحاد الصناعات النسيجية، الذين أعلنوا رفضهم لتلك الأسعار، بسبب ارتفاعها عن القيمة المقبولة التى تكفل ضمان استمرار عمليات الإنتاج وتشغيل مصانعهم، وهددوا بتصعيد احتجاجاتهم تدريجياً فى 8 أغسطس الحالى، من خلال إيقاف التشغيل والإضراب عن العمل، وغلق مصانعهم فى وجه عمالهم المهددين بالتشرد، واندثار الصناعة بصورة تدريجية.
ومن داخل أحد مصانع الملابس الجاهزة المتخصصة فى إنتاج بدل التدريب الرياضية، «الترنجات»، والملابس القطنية، التقت «الوطن» صاحب المصنع، الدكتور أحمد عبدالسلام، الذى أكد أن صناعة الغزل والنسيج الوطنية تُعد من الصناعات كثيفة العمالة، التى توارثها عن جدوده منذ ما يزيد على 40 سنة، لافتاً إلى أن «الأزمة التى يعانى منها أصحاب مصانع الغزل والنسيج تتمثل فى الحجة التى يستند لها المسئولون فى رفع أسعار الغزول، نتيجة ارتفاع أسعار الدولار والعملات الأجنبية»، موضحاً أن «أسعار الغزول ليس لها صلة بالأسواق العالمية، كون أصحاب المصانع يشترونها بالجنيه المصرى».
وأضاف «عبدالسلام» أن أكثر من 800 ألف عامل يعملون داخل مصانع المنطقة الصناعية الخاصة بالمحلة، وهو ما يعد كارثة تهدد العمال، الذين تبلغ أجرتهم اليومية حوالى 80 جنيهاً، معبراً عن استيائه وغضبه بسبب ما وصلت إليه الأزمة، وأكد أن «أصحاب المصانع أصبحوا فى وضع اضطرارى لغلق مصانعهم، وإيقاف إنتاج المنسوجات والغزول، لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف أجور العمال، وشراء مواد الخام من الغزول وتصنيعها، فى ظل ركود عمليات البيع والشراء فى السوق المحلية وخارجها»، حسب قوله.
وأعرب «عبدالسلام» عن حزنه بسبب تدهور صناعة الغزل والنسيج، وخوفه من اندثارها تدريجياً، مضيفاً: «أنا النهارده كصاحب رأسمال لو جبت 10 طن من خام الغزول ثمنها 200 ألف جنيه، وبالتالى لما يبقى طن الغزول أسعار بيعه تزيد عن 45 ألف جنيه، بمعدل زيادة فى أسعاره بنسبة تزيد عن 25%، فده كارثة على عاتق المصدرين ومنتجى المنسوجات فى السوق المحلية، فى ظل إنى معنديش وسيلة لمضاعفة رأس المال للمنافسة، نظراً لضعف القوة الشرائية والمبيعات داخلياً وخارجياً».
واستطرد: «المصنع الآن به أكثر من 350 عاملاً وعاملة، بعدما كان يحوى ما يزيد على 800، حيث ترك البعض منهم العمل فى صناعة الغزل والنسيج نظراً لتجاهل الدولة دعم تلك الصناعة ورفع كفاءتها، كونها صناعة قومية ووطنية»، وأضاف: «الدولة فى السنوات الأخيرة لم تتبع نهج الزيادة فى الغزول تدريجياً».
وأصحاب المصانع يمهلون الحكومة حتى 10 أغسطس قبل التوقف عن العمل.. وهروب جماعى للمستوردين
حسن محمود، أحد عمال المصنع، قال: «بجد مستعد أستحمل أى شىء فى حياتى عشان آكل عيشى وأحس إنى عايش بالحلال، باشتغل فى صناعة الغزل والنسيج من 19 سنة، وسعيت أبنى حياتى وأساعد أهلى وأجهز إخواتى البنات، وأصرف على أبويا وأمى، ويعز عليَّا بعد العمر ده كله ألاقى نفسى قاعد فى الشارع، ومعايا مراتى وعيالى، حسبى الله ونعم الوكيل فى المسئولين اللى مش حاسين بينا، إحنا مهددين إننا نتشرد، وبجد الوضع بيسوء يوم عن يوم».
وأشار «حسن» إلى أنه يتقاضى أجراً يومياً يتراوح بين 80 و100 جنيه، وفق معدلات ساعات عمل مخصصة له، تزيد على 12 ساعة يومياً، يتحملها فى ظل ارتفاع درجة حرارة الجو، كما عبر عن مناشدته مسئولى الحكومة ضرروة السعى للتعامل مع الأزمة، والوصول إلى حل يرضى أصحاب المصانع، حفاظاً على مستقبل وحياة أبنائه وأبناء زملائه.
وفى مصنع آخر يبعد حوالى 250 متراً، اكتسب شهرته باعتباره أحد المصانع الرائدة فى تصدير المنسوجات والفوط، التقت «الوطن» صاحب المصنع، الحاج عزت القلينى، الذى بدأ حديثه قائلاً: «كلنا بنناشد رئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسى، ضرورة التدخل فى الأزمة الراهنة، لإنقاذنا وإنقاذ مستقبل العمالة»، وأضاف: «إحنا تعبنا، عاملين زى اللى بينفخ فى قربة مخرومة، وعاوزين الدولة تشغل عمالنا الغلابة، وتعبنا كلام، وتعبنا استغاثات، ومشاوير للقاء الوزراء، وتعبنا من رئيس الشركة القابضة، ومن مسئولى مجلس الوزراء، وتعبنا من محافظ الغربية، لأننا مش لاقيين حلول واقعية معاهم فى مشكلة ارتفاع أسعار الغزول».
وأضاف أن «مشكلة صناعة الغزل والنسيج لم تعد مشكلة فى العمالة المدربة، إحنا بقينا بندرب العمال، لكن الظروف الاقتصادية الحالية تعبتنا كلنا كأصحاب مصانع»، مشيراً إلى أن رئيس الشركة القابضة لصناعات الغزل والنسيج، الدكتور أحمد مصطفى، «هو اللى يتحمل مشكلة الصدام مع مصانع القطاع الخاص»، ولفت إلى تضامن أصحاب مصانع الغزل والنسيج فى شبرا الخيمة والعاشر من رمضان وغيرها، مع أصحاب مصانع المحلة الكبرى، وتابع: «هناك خطوات تصعيدية سيلجأون إليها خلال الأسبوع الأول من أغسطس».
وأوضح «القلينى»: «ملتزمون بسداد تأمينات وأجور شهرية لعمالنا، ومسئولون عن تشغيلهم، ومضطرون إلى الامتناع عن صرف مصاريف مواد الطاقة والغاز، والقيمة المضافة اللى بتتسدد للجمارك فى حالة تصدير منتجى، وأنا بادفع أجور 200 ألف جنيه شهرياً، وباشترى مواد خام بأكثر من 400 ألف جنيه، أنا لامس إن الدولة مش حاسة بينا، لكن عاوزها تشوف عمالنا الغلابة.
من جانبه ردد مسعد فاروق، صاحب أحد مصانع «التريكو» على الطريق الدائرى «المحلة - المنصورة»، جملة «آخرنا 10 أغسطس فى العمل»، وتابع: «الدولة بتاكل العمال لأن المستوردين هربوا مننا، ومش قادرين نصدر لهم أى منتجات تانية».