عمال مصبغة «الشوبكى»: «المهنة اللى فاتحة بيوتنا بتموت»
عمال المصابغ مهددون بالتشرد بسبب الأزمة
يقف فوق ماكينة للصبغ، محنى الظهر، متابعاً «بكرات» النسيج المتراصة، جسده نحيل، تبدو عليه علامات الإرهاق، ويشوب وجهه آثار ألوان الصباغة، وسط صخب الماكينات، يعمل مروان مجدى، 10 ساعات يومياً، قائلاً: «بقالى 5 سنين فى المصبغة، شفت ناس كتير تيجى تشتغل، وناس كتير اضطرت تمشى».
«مروان» أب لطفلتين؛ أكبرهما لم تتجاوز 5 سنوات، ويبدى قلقه على استمرار تلك الصناعة، التى لم يعرف غيرها كمهنة، ولاحظ زملاءه وأصدقاءه يبحثون عن أى مصدر آخر للرزق.
«مروان»: «باخد 300 جنيه أسبوعياً ومش عارف لما ولادى يدخلوا المدارس هصرف عليهم إزاى»
عن يومه يقول «مروان» إنه يبدأ عمله فى الـ8 صباحاً، مضيفاً: «بشغل الغلاية وبجهز الميّه اللازمة للصبغة، وبجهز الحامل اللى بيشيل نص طن نسيج، وبوصل الحرارة لـ130، وبعد الصباغة مرحلة التبريد».
أجواء عمل تبدو مرهقة، وسط صخب الماكينات، يتحرك «مروان» لاستكمال عمله، بينما يغطى وجهه العرق، ويواصل كلامه بأنفاس متقطعة: «معظم الصباغين مرتباتهم ضعيفة، ومعظم عمال المحلة مبيقبضوش كتير»، مؤكداً أن متوسط راتب الصباغ أسبوعياً لا يتجاوز الـ300 جنيه، وعن راتبه يقول: «طبعاً المرتب مش بيكفى، والأسعار غالية جداً، مش عارف لما الأولاد يكبروا ويدخلوا المدرسة هعمل إيه؟».
يقول «مروان» وهو يتحرك نحو غرفة صغيرة بها ماكينة صباغة مصغرة، يتم بها اختيار لون الصبغة وتجريبها على نموذج مصغر، لتحديد اللون المناسب: «هنا المهندس إبراهيم بيتابع اللون المناسب، قبل ما نرفع بكر النسيج على الحامل ونصبغه فى الماكينة الكبيرة، اللى بتشيل حوالى نص طن نسيج».
معظم العمال سواء فى مصانع خاصة أو حكومية، ينتظرون تحقيق الأرباح حتى يحصلوا على حوافز خاصة بهم، ولكن بسبب الخسائر المستمرة، لم يطالب أى من العمال بأى حوافز، وذلك ليس فى مصبغة «الشوبكى» وحدها، ولكن فى كافة قطاع المصانع الخاصة، حسب «مروان»، الذى تابع: «كل الناس بتدور على طوق نجاة لو المكان اللى شغالين فيه قفل، وأنا مش عارف هروح فين، ولا هصرف على بيتى إزاى».
فى الدور الثانى بمصبغة الشوبكى، تتراص ماكينات التدوير وراء بعضها البعض، جميعها توقف، وتراكم عليها التراب، إلا ماكينة واحدة، لا تزال تعمل، يتحرك مسعد المتولى، رجل فى الـ45 من عمره، بخطوات سريعة، يضع البكر فى مكان وينقله لمكان آخر، ويتابع عملية التدوير بشكل مستمر.
«مسعد»: «بقالى 20 سنة شغال فى صناعة الغزل والنسيج.. هروح فين وكل الأماكن بتقفل بيبانها!»
يقول «مسعد»: «بقالى 5 سنين هنا، وبشتغل كل يوم من 8 الصبح لـ4 ومن الساعة 5 لـ12 بالليل، لأنى بقيت لوحدى فى قسم التدوير»، مؤكداً أنه شاهد على ركود صناعة الغزل والنسيج، ورحيل جميع زملائه، بسبب قلة الأجور، بل والأكثر من ذلك بسبب عدم وجود طلبيات كافية لاستمرارية العمل.
لدى «مسعد» 4 أولاد، لذلك يضطر للعمل ورديتين، حتى يكفى مصاريف أولاده: «الصناعة كل مدى فى النازل، وأنا عشت عمرى كله باشتغل فى صناعة الغزل والنسيج، رُحت مصانع كتير، ومعرفش شغل غير ده، اللى هيحصل فى المحلة خراب بيوت، المشكلة مش لأصحاب المصانع لوحدهم، هيعرفوا يأكلوا أولادهم، ولكن الأزمة هتبقى عمالية، لأننا كلنا بناخد أجرنا كل أسبوع، يعنى الأسبوع اللى مفيهوش شغل مش هنقبض».
ويقول «مسعد» إن أصحاب المصانع معظمهم لم يقوموا بتسريح العمالة إلا بعد اضطرارهم لذلك، وإنه شهد، أثناء عمله فى صناعة الغزل والنسيج، أن العامل كانت قيمته كبيرة فى البدء، حيث كان أصحاب المصانع يتكالبون على العمالة المدربة، ولكن مع زيادة سعر الغزول ركدت الصناعة، وقلت قيمة العامل.