طرح المرحوم سيد قطب فى كتابه «معالم فى الطريق» برؤية عجيبة، ذهب فيها إلى أن جنسية المسلم عقيدته، منكراً فكرة الجنسية الوطنية. «جنسية المسلم عقيدته» واحدة من الأفكار الشاذة التى خرج بها «قطب»، وجوهر الشذوذ فيها يرتبط بالتناقض مع فكرة الولاء الوطنى الواضح فى سيرة النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، فالنبى كان شديد المحبة لمكة، وكان يقول بعد الهجرة مخاطباً مكة: «إنك أحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إلىّ.. ولولا أن أهلك أخرجونى ما خرجت». وفى إحدى سفرات النبى استمع إلى «أنجشة» -حادى القافلة- وهو يسترجع ذكريات مكة، فما كان منه، صلى الله عليه وسلم، إلا أن قال له: «حسبك يا أنجشة.. دع القلوب تقر». كانت مكة تمثل الانتماء الوطنى للنبى، وكان فيها المسلمون والمشركون والصابئة وغيرهم، ولم يمنعه ذلك من تأكيد انتمائه لها، رغم أن أهلها من المشركين لم يتحملوا وجوده بينهم (بلادى وإن جارت علىّ عزيزة).
الجنسية بما تشتمل عليه من معانى الانتماء الوطنى مسألة شديدة الحساسية بالنسبة لأى إنسان، لذلك فهى من المسائل التى لا يصح الترخص فيها، وكما يصح أن ننعت الفكرة «القطبية» بالشذوذ، يصح أيضاً أن ننعت فكرة: «جنسية المصرى دولاره» بما يليق بها من شذوذ أيضاً. من واجب الحكومة أن تجتهد فى حل المشكلة الاقتصادية، لكن «بيع الجنسية» من أجل الحصول على دولارات مسألة لا تقع فى دائرة الاجتهاد، بل فى دائرة الإفساد. وهى باب من أبواب اللعب فى المحظور. يشهد على ذلك حالة الغضب التى قوبل الحديث عن هذا الأمر من جانب العشرات من نواب الشعب، وحالة الامتعاض التى ميزت تعليقات من اهتم بالتفاعل مع هذا الموضوع.
هل تذكر فيلم «لا تسألنى من أنا» بطولة المبدعة شادية؟. ذلك الذى يحكى قصة أسرة عانت الفقر وشظف العيش، بسبب كثرة العيال وتدهور الأحوال، فما كان من الأم إلا أن رضيت ببيع إحدى بناتها إلى سيدة غنية لا تنجب، لتمنح رب العائلة مالاً يساعده على فتح ورشة ينفق من دخلها على بقية أبنائه، واضطرت الأم إلى العمل كمربية وخادمة لطفلتها التى ابتاعتها السيدة الغنية، حتى كبرت وأدركت الحقيقة المرة، ودخلت فى مواجهة مع أمها الحقيقية التى باعتها، فقالت لها: إنتى مش ممكن تكونى أم.. إنتى مجرمة»، فردت عليها الأم الجريحة قائلة: «أنا مش مجرمة.. أنا فقيرة». تُرى من كان المصيب فى هذا الحوار، هل هى البنت التى ترى أن البيع جرم.. أم الأم التى ترى أن الفقر والعوز يبرران أى شىء؟. ستتباين وجهات النظر فى الإجابة عن هذا السؤال، لكن يبقى أن البيع تنازل ويأس من رحمة الله، وفعل يرقى إلى مرتبة الجرم فى حق الذات والآخرين، أما الصبر فهو ما يليق بمن لا تستذلهم اللحظة الحاضرة.. وصدق الله العظيم إذ يقول: «وبشر الصابرين».. أرجو من الحكومة أن تتخلى عن هذه الفكرة الشاذة، وتعلم أن الاستقامة -وهى عكس الشذوذ- واجبة!.