مساء الأحد الماضى أعلن البنك المركزى فى بيان رسمى تراجع حجم الاحتياطى النقدى لديه بنهاية شهر يوليو الماضى إلى 15.536 مليار دولار مقابل 17.546 مليار دولار بنهاية شهر يونيو السابق بتراجع قدره أكثر من مليارى دولار. تزامن هذا الإعلان مع تداول معلومات عن تعثر مفاوضات قرض صندوق النقد الدولى، بسبب الخلافات على مسألة تعويم الجنيه. نحن أمام أزمة حقيقية، أزمة متشابكة الأبعاد.
المفاوض المصرى عنده حق فى التحفظ على التعويم الكلى للجنيه، كما تطلب بعثة الصندوق، لأن هذا الأمر سيؤدى إلى كارثة محققة فى سوق العملة الصعبة. فالتعويم يرتبط بتوافر الدولار وليس بشحه، كما هو الحال الآن. ولا بد للحكومة قبل أن تتخذ هذا القرار أن يكون لديها ذخيرة دولارية تمكنها من عدم ترك توابع القرار للظروف، لأن توفير الدولار هو الوسيلة الوحيدة لتلجيمه، أما التعويم الخالى من «الوفرة الدولارية» فسيؤدى إلى انطلاق السوق السوداء بصورة يمكن أن توقعنا فى مأزق لا فكاك منه، لكن مصر -فى مقابل ما سبق- تجد نفسها فى أشد الحاجة إلى قرض الصندوق، لتوفير الدولار من ناحية، وتحسين الوضع الاستثمارى من ناحية أخرى، تلك هى المعضلة.
علينا أن نستوعب أمرين ونحن نقف هذا الموقف، أولهما أن ثمة أسباباً تتعلق بالأداء العام أوردتنا هذا المورد، ساهم فيها كل من الحكومة والمواطن، وعلى من تسبب فى خلق المشكلة أن يتحمل توابعها ونتائجها، وثانيهما أن الولايات المتحدة الأمريكية (هرم الرأسمالية العالمية) لا تزال راغبة فى هز الأوضاع فى مصر. فصندوق النقد الدولى يعمل بتوجيه أمريكى بحت، ويتحرك الفاعلون فيه طبقاً لتوجهات الولايات المتحدة الأمريكية. وعموماً لم يكن للولايات المتحدة وصندوق نقدها أن تتمكن بهذه الصورة من رقابنا، لولا سوء الأداء الذى جعل حالنا مع قرض صندوق النقد الدولى محكومة بقول الشاعر الراحل إبراهيم ناجى: «ولى الويل إذا لبيتها.. ولى الويل إذا لم أتبعها».
ظنى أن الأصلح لهذا البلد ألا يحصل على قرض الصندوق، تلبية هذه الخطوة تعنى ببساطة المزيد من التعقيد لمشكلتنا الاقتصادية، ربما كان القرض مُسكّناً مؤقتاً، لكنه فى كل الأحوال لن يكون علاجاً، بل سيعجل بانهيار أكبر. المهم فى حالة عدم الحصول على القرض أن تدير السلطة الأزمة بمنطق يستند إلى العدالة. فلا معنى لتحميل الطبقتين المتوسطة والفقيرة العبء، فى وقت تتعامل فيه بكل النعومة مع أهل القمة الطبقية، علينا ألا ننسى ضريبة البورصة التى تم تأجيلها، وضريبة الـ5% على الأغنياء، علينا ألا ننسى أيضاً الفساد والمليارات التى تطير فيه، وما فساد عملية توريد القمح منا ببعيد. العدالة هى الجسر الذى يمكن أن تعبر عليه مصر من الأزمة، أما الأداء بنفس الصورة التى وصلت بنا إلى الأزمة التى نحياها، فسيؤدى إلى نتائج غير مأمونة العواقب، لن تشفع معها المشروعات الكبرى العظيمة التى تتبناها السلطة حالياً. العمل من أجل المستقبل عظيم، لكن من الضرورى أن يعيش الإنسان ظروف حاضره أيضاً.