ليس عزل قيادات تنفيذية وسياسية ارتبطت باستبداد وفساد نظم سقطت فى أعقاب ثورات أو انتفاضات شعبية ببدعة مصرية.
فبعض دول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية التى تحولت للديمقراطية أقرت قوانين عزلت مسئولين سابقين لفترات زمنية مؤقتة وبهدف تطهير الحياة السياسية وإعطاء المجتمع فرصة حقيقية للتخلص من ماضى الاستبداد والفساد.
وانقسمت الدول هذه من حيث نوعية الإجراءات التى ارتبطت بقوانين العزل إلى مجموعتين؛ مجموعة اشترطت مساءلة ومحاسبة قانونية قبل إقرار العزل ومجموعة أخرى ربطت العزل بمواقع وظيفية محددة (تنفيذية كانت أو حزبية).
ومنذ ١١ فبراير ٢٠١١ وإلى اليوم أُقر فى مصر قانونان فى هذا السياق، إفساد الحياة السياسية وتعديل مباشرة الحقوق السياسية. الأول يستند إلى نهج المساءلة القانونية قبل العزل، والثانى يحرم من تولى مناصب بعينها خلال السنوات العشر السابقة على الثورة من مباشرة حقوقه السياسية.
القانونان المصريان، وبغض النظر عن التحفظات الدستورية بشأن تعديل مباشرة الحقوق السياسية وأيا ما كان حكم المحكمة الدستورية يوم الخميس المقبل، لم يخرجا إذن عن المتبع فى دول أخرى مرت بخبرات مشابهة.
نعم لا شك فى أن الامتناع عن العزل السياسى والتعويل على صندوق الانتخابات وإرادة الناخبات والناخبين فى منع عودة من شارك فى الاستبداد والفساد يعد أكثر اتساقا مع الديمقراطية ودولة الحرية. إلا أن السياسة ليست مساحة للمثاليات وفى بعض الأحيان توظف بها إجراءات قاسية لضمان تحولها الإيجابى.
ساهمت فى صياغة وتمرير قانون العزل من مجلس الشعب وما زلت مقتنعا بصحة ما قمت به على الرغم من معضلات عديدة.
معضلة العزل اليوم فى مصر مرتبطة بتعديل مباشرة الحقوق السياسية، والذى تأخرنا فى مجلس الشعب فى تمريره على نحو كلفنا شبهة تفصيله ضد مرشحين
محددين للرئاسة. المعضلة الأخرى هى أن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لم تُفعِّله وأحالته للدستورية والتى قد تقضى بعدم جواز الإحالة إن أخذت بتوصية من توصيات تقرير هيئة المفوضين. هنا سنكون مع إعادة كاملة للانتخابات الرئاسية بمرشحين 12 واستبعاد لأحمد شفيق. وقد تأخذ الدستورية بتوصية أخرى فى تقرير المفوضين وهى قبول الإحالة من اللجنة العليا والحكم بعدم دستورية القانون ومن ثم يستمر شفيق ونستمر مع جولة الإعادة بينه وبين مرسى. فإما تغيير فى الشروط والعودة إلى نقطة الصفر فى الانتخابات الرئاسية أو الإبقاء على الشروط دون تغيير وجولة الإعادة فى موعدها.
المعضلة هى إذن فى حالة الغموض واللااستقرار التى رتبها رفض اللجنة العليا تطبيق تعديل مباشرة الحقوق السياسية قبل الجولة الأولى والتداعيات المتوالية منذ حينها. ما زلت عند رأيى كان تمرير القانون من مجلس الشعب، وإن تأخر، عملا وطنيا هدف لمنع إعادة إنتاج القديم وكان ينبغى تطبيقه.
وعلينا الآن انتظار قرار الدستورية العليا واحترامه.