أعترف أننى لا أفقه شيئاً فى الاقتصاد.. بل إننى أعتبر الذين يفهمون تلك المصطلحات المعقدة التى تمتلئ بها النشرات الاقتصادية عباقرة حقاً.. كيف يستوعب أحدهم أن مؤشر إكس قد ارتفع بمقدار نقطة ونصف، فإن ذلك يعنى أن مؤشر واى قد ينخفض بمقدار نصف نقطة؟! إنها مَلَكة ولا شك.. ولذا فربما يستحقون كل تلك الفخامة التى يبدون عليها حين يتحدث أحدهم على شاشة التلفاز!
وعلى الرغم من عدم استيعابى شيئاً تقريباً فى هذا العالم الواسع.. فإن فضولاً أصابنى مؤخراً.. لأطالع التقرير الذى أعدته مجلة الإيكونومست العالمية.. والمقال الآخر الذى كُتب بعدها بأيام على موقع بلومبرج الشهير.. اللذين يتطرقان إلى حال الاقتصاد المصرى فيما بعد الثلاثين من يونيو.. أو بمعنى أكثر دقة.. فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى تحديداً!! فى المعتاد حين أبحث عن تقرير أو موضوع يهمنى أمره فأنا أفضل قراءته بلغته الأصلية.. ولهذا فقد قرأت التقريرين باللغة الإنجليزية وليس ترجمتهما العربية.. الأمر يتعلق بأننى أفضل أن أحاول فهم التقرير بلغة صاحبه.. أو بمعنى أكثر وضوحاً.. بلهجته نفسها.. فقراءة التقرير الصحفى بلغة كاتبه تجعلك وكأنك تستمع إليه.. أو تسمع لهجته بصورة أكثر واقعية.. وكأنه يقف أمامك ليشرح ما كتبه على طاولة بيضاء! وعلى الرغم من عدم استيعابى لنقاط اقتصادية كثيرة فى التقرير.. فإننى لاحظت أمراً غريباً.. فالتقريران يحملان لهجة عدائية لا تخطئها العين.. ربما يبدو عليهما الحياد أو الموضوعية.. لا أستطيع الجزم بهذا لجهلى بالكثير من المعلومات التى يذكرها تقرير «إيكونومست» تحديداً.. إلا أن قارئاً يجيد الإنجليزية سيدرك سريعاً أن كاتب التقرير تحمل لهجته الكثير من الهجوم على الدولة المصرية.. دون أن يبدو لهذا الهجوم أى مبرر فى المحتوى التحريرى المكتوب!
أسمع البعض يقول إن الجريدتين لا تملكان سبباً لهذا الهجوم.. وأرى منكم من يسخر منى.. ويهمس أن حمى المؤامرة الكونية علينا قد تملكت منى مؤخراً.. ولذا أشعر أن كل نقد للنظام أو للدولة قد يحمل هجوماً وتحاملاً خفياً.. أعتقد أن الصواب قد جانبكم هذه المرة.. فلست من أنصار نظرية المؤامرة بكل تأكيد.. ولكن كل ما أستطيع قوله وأنا واثق.. أن النوايا التى كتب بها التقريران غير صافية! الفكرة أننى أؤمن بحقيقة مهمة.. أنه لا توجد صحافة محايدة على ظهر الأرض.. حتى فى أكثر الدول تحضراً وديمقراطية.. هناك دوماً من تتحيز إليه الصحافة.. أو تنحاز ضده.. الأمر يتعلق دوماً بسيطرة الحكومات أو رؤوس الأموال أو حتى مزاج القارئ.. وغيرها من مراكز القوى التى تؤثر بصورة مستمرة على حيادها وموضوعيتها.. ولهذا فقد تعودت أن أتميز بالحرص عند استقاء أى معلومة غير خبرية من أى مصدر! التقريران يحملان انحيازاً واضحاً ضد النظام فى مصر.. ويقودان هجوماً غير مفهوم على شخص الرئيس نفسه.. ويحملانه شخصياً سبب الأزمة الاقتصادية كلها.. دون حتى أن يثبتا ذلك بأى دليل أو حتى قرينة.. بالإضافة إلى مصطلحات التقريرين.. التى تحمل شماتة خفية.. سيدركها كل من اعتاد القراءة باللغة الإنجليزية! هل تفهم ما أعنيه؟.. فاستبدال كلمة الرئيس بلقب «جنرال» أكثر من مرة فى التقريرين.. ووصف «مشاريع الحكومة» بـ«مشروعات السيسى» أمر لا تخطئه عين اعتادت القراءة بالإنجليزية وتتفهم عقلية كاتبها.. كما أن نصيحة «الإيكونومست» للسيد الرئيس بعدم الترشح مرة أخرى -دون أن تذكر الحكومة أو حتى النظام بالكامل- يجعلنى أزداد يقيناً بخصومتهم معه «شخصياً»!!
الفكرة أننى تساءلت عما إذا كان البعض قد لاحظ ما استنتجته أم لا؟ بل وما الإجراءات التى اتخذتها الحكومة للرد على ما تم نشره فى تلك التقارير؟! لقد أصدرت الخارجية رداً هزيلاً على تقرير «الإيكونومست».. رداً يحمل لوماً على الجريدة دون معلومات حقيقية.. مما يجعل باطنه مفرغاً من هدفه.. ويجعل من يقرأه يزداد ثقة فى ما كتبته الجريدة.. لأن المتهم ببساطة لم يقدم أى دليل ليثبت خطأ الادعاء!! لقد ردت الخارجية رداً «سياسياً» على اتهام «اقتصادى» فى المقام الأول.. وهو ما جعله ضعيفاً مذبذباً.. وجعلنا نقف أمام تلك التقارير موقف المتهمين! كان ينبغى على الحكومة أن تعد ملفاً اقتصادياً محترماً باللغة الإنجليزية.. وترسله للنشر فى نفس الجريدة -فنحن نمتلك حق الرد- أو ننشره فى جريدة أخرى عالمية لها نفس الثقل الاقتصادى إن رفضت الجريدة نشره.. ليصبح الموقف متعادلاً.. ولا نقف أمام العالم مكتوفى الأيدى!! اتهامات الجريدتين ينبغى أن تجد رداً موثقاً.. ولم نعدم فى مصر من يقدم للعالم تقريراً يثبت لهم كذب اتهاماتهم.. فالعالم أصبح قرية صغيرة.. وما لا يثبت خطأه.. يصبح حقيقة مسلماً بها فى أغلب الأحيان!!