قد لا يكون من المبالغة أن أقول إن الحكومة الحالية، تعتبر المصريين شعباً غنياً، بس بيستعبط، وهى تتشابه فى ذلك مع حكومات عصر مبارك، خصوصاً خلال العقد الأخير من حكمه. أحدهم علق على الجنيهات العشرة المقترح جمعها لصالح رعاية القضاة، قائلاً: «وماله المواطنون يدفعوا للقضاة زى ما بيدفعوا للمحامين»، وآخر قال فى معرض تعليقه على فرض ضرائب على المصريين العاملين بالخارج ما بين 100 إلى 200 جنيه، قائلاً: «هذه الرسوم قليلة وكان المفروض تكون أكبر من كده.. دول بيقبضوا كتير».. ومؤكد أنك تذكر تعليق وزير الكهرباء على شكوى بعض المواطنين من ارتفاع فواتير الكهرباء، حين ردد: «يشوفوا بيصرفوا كام على الموبايلات؟!». وفى المجمل العام تشهد القرارات المختلفة التى اتخذتها الحكومة خلال الأشهر الأخيرة والإجراءات الصعبة المزمع تفعيلها خلال الأيام المقبلة على حقيقة أن الحكومة تنظر إلى هذا الشعب، فتراه غنياً، بإمكانه أن يدفع لها الكثير نظير ما يحصل عليه من خدمات توفرها له بأسعار مدعومة.
هذه النظرة ليست وليدة اليوم، بل بدأت فى الظهور خلال العقد الأخير من حكم مبارك، كما ذكرت، وأخذت فى التمدد والاتساع بعد ذلك، ولعلك تذكر ما كان يردده أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق عن التكييفات التى تنتشر فى المنازل، وطوابير المواطنين أمام خزائن الدفع بـ«السوبر ماركت» وغيره. كان السياق حينذاك يبرر أن يطلق رئيس وزراء إحدى حكومات «مبارك» هذه الأحكام، لأن كل أركان النظام حينذاك كانوا يستندون -فى الحكم- إلى نظرية: «الفساد للجميع»، ففى ظل فساد الكبار، كان من الطبيعى أن يتم غض البصر عن الفاسدين الصغار من المواطنين العاديين، حين يرتشون أو يسرقون أو يختلسون أو يزوغون من العمل، أو حتى يتسولون فى الشوارع. الفساد مثل منهج حياة، ودأب المواطنون الذين جرت الفلوس فى أيديهم بالفساد إلى إنفاقها فى كل ما هو استهلاكى، فكان من الطبيعى أن تنظر إليهم الحكومة كأغنياء يستعبطون.
يبدو أن هذه النظرة تسيطر على الحكومة الحالية أيضاً، فترى أن المواطن الذى يصرف على الموبايلات والدروس الخصوصية والتكييفات والمراوح والثلاجات مطالب بأن يدفع للحكومة، رغم أن كل من يشترى أو يستخدم هذه الحاجيات يدفع ضريبتها، لكن الحكومة تريد المزيد، حتى تتمكن من سد العجز فى الموازنة، وتسديد بعض البنود التى تحتاج إلى تسديد بالنسبة للفئات التى يتشكل منها دولاب الحكم. ليس بمقدور أحد أن ينكر أن ثمة قطاعاً من المصريين يستفيد من الفساد ويشارك فيه، لتتعاظم دخوله بعد ذلك، وأن هذا القطاع يستفيد من دعم الحكومة للسلع والخدمات، لكن هذا القطاع لا يعبر عن كل المصريين، فليس كل المصريين فاسدين، بحيث يصح النظر إليهم على أنهم أغنياء ولكن يستعبطون، فالنسبة الغالبة من أبناء هذا الشعب تطفح المرار من ضغوط الحكومة من ناحية، وضغوط القطاع الشعبى الفاسد من ناحية أخرى. ومن المفترض أيضاً أن قطاع الفاسدين هذا يعبر عن حالة مؤقتة، نتوقع أن تتحرك السلطة ضدهم، وسيعودون -حين الاستقامة- مصريين عاديين يبحثون عن الدعم، ويبقى أن الإصرار على استخدامهم كمقياس لدرجة ثراء الشعب يمنحنا مؤشراً على موقف الحكومة الحالية من مسألة الفساد..!.