من حين لآخر تدلى بعض المصادر الحكومية المجهّلة بتصريحات تتحدث عن واحد أو أكثر من خطوات برنامج الإصلاح الاقتصادى كما تقول الحكومة، أو شروط قرض صندوق النقد، كما يردد معارضوها، ليخرج بعد ذلك مصدر حكومى وينفيه. آخر هذه التصريحات ما جاء على لسان مصدرين حكوميين (مجهلين) عن أن الحكومة ستقوم بإلغاء دعم الوقود (البنزين - السولار - المازوت) بشكل تدريجى على ثلاث سنوات، لتبادر بعدها كل من وزارتى البترول والمالية إلى نفى الخبر والتأكيد أن الدعم باق. هذا منطق حالات الريبة، ففى ظل التصريحات التى تكررت على لسان رسميين خلال الفترة الأخيرة وتحدثت عن إجراءات صعبة أو قاسية ستتخذها الحكومة جعل البعض مهيأ لتلقى هذه النوعية من الأخبار، ولا خلاف على الدور الذى يلعبه خصوم النظام فى تسويقها، من أجل النيل من شعبيته، فأى خبر يهز ما هو مهزوز من أوضاع المواطن الاقتصادية يخصم من شعبية النظام.
الحكومة ساهمت بطريقة أو بأخرى فى خلق «حالة الريبة» التى نتحدث عنها، فالناس تسمع أحاديث لا تتوقف عن غلاء تذكرة المترو، وارتفاع أسعار السجائر، والمزيد من الزيادة فى أسعار السيارات بعد تطبيق قانون القيمة المضافة، وخفض سعر الجنيه أمام الدولار. وهى تسمع هذا الكلام على لسان وزراء ومسئولين رسميين فى مواقع مختلفة، على سبيل المثال الحديث عن رفع تذكرة المترو تردد على لسان وزير النقل، ورئيس هيئة المترو، وخفض الجنيه تردد على لسان محافظ البنك المركزى. ربما كان الهدف من هذه التصريحات تهيئة المواطن وتمهيده للقفزة المقبلة فى الأسعار. سعى الحكومة إلى التمهيد أمر مفهوم، فهى تخشى من ردود أفعال شعبية على القرارات التى تجد نفسها مضطرة لاتخاذها خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، لذلك تجدها «تقدم رِجل وتؤخر رِجل»، لكن يبدو أن بعض المسئولين ينسون طبيعة شعبنا المصرى وطبيعة القوانين التى تحكم حركة الأسواق، فأى تلميح من قريب أو بعيد بشأن الأسعار يمكن أن يتحول إلى حقيقة يقينية فى الواقع، عندما يتم تناقله من شخص إلى آخر. والمشكلة أن الحكومة لا تجيد السيطرة على الأسواق بشكل يضع الأمور فى نصابها، بحيث تباع كل سلعة بسعرها الحقيقى، وليس طبقاً لـ«كيف» التاجر أو «مزاج» الموزع. المثال الواضح على ذلك يمكن أن تجده فى سوق السجائر التى أصبح سعرها هدفاً متحركاً يميل إلى الصعود كل يوم، دون أدنى سيطرة من جانب الحكومة.
الحكومة المصرية هذه الأيام تبدو مثل التى تريد الزواج، لكنها تخشى الخلفة!. فهى تريد أن تتخذ ما تنتويه من قرارات صعبة أو إجراءات قاسية، لكنها تخشى ردة فعل الشعب، لذلك تجدها تؤدى بهذه الطريقة المتميعة، فتقف فى منتصف الطريق. ومن المعلوم أن من يقف فى منتصف الطريق تدهسه العربات. والمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، ولن يستطيع أب أن يتخذ إجراءات قاسية يجدها لازمة إزاء بعض من أبنائه، ثم يحتفظ بعد ذلك بشعبيته لديهم. ربما اختلف الأمر لو كانت هذه الإجراءات قاسماً مشتركاً أعظم بين كل الأبناء. قد يكون ذلك هو سر التردد..!.