الشعب المصرى شعب مؤمن بطبعه.. لا أقولها بقصد السخرية كما يقول البعض ساخراً «شعب متدين بطبعه» إشارة إلى عيوبنا، مثل موظف يتلقى الرشوى، ثم يصلى الظهر، ولكنى أقصدها بمعناها الحقيقى.. نحن شعب يؤمن برحمة الله الواسعة.. ولم يخذلنا الله فى أحلك الظروف، لأنه سبحانه وتعالى علام بما فى القلوب.. فمهما أظهرنا من عيوب فى سلوكنا، بقيت فى نفوسنا لمحة طيبة تدركنا بسببها رحمة الله عز وجل.. نؤمن دائماً بقوله تعالى: «يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً»، ولذا فنحن دائماً فى انتظار فرج الله.
بينما يرتفع بنيان سد النهضة الإثيوبى مهدداً مصر بالجفاف، أرسل الله علينا السماء مدراراً، ففاض النيل بشكل قياسى.. هذا هو الله الرحمن الرحيم، الرفيق بنا.. ولكن.. نعم جاء الفيضان كما جاء يوسف عليه السلام، ولكنه كان قد استعد له ليملأ الخزائن بما تحتاجه البلاد لسنوات مقبلة قد لا يتكرر الفيضان فيها.. فماذا أعددنا نحن؟ هل طهّرنا القنوات والترع وأزلنا التعديات واحترمنا مجراه وعلمنا الناس أن تحترمه؟ لا أعتقد..
مرة أخرى «يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً»، فنرى بشائر عودة السياحة، كما أعلنتها الشركات الألمانية وتحفظت عليها البريطانية انتظاراً لرفع الحظر من حكومتها التى لسبب خفى أبقته لعدة أشهر مقبلة.. ولكن بريطانيا كسد النهضة لن تستطيع احتجاز السياحة لمصر لفترات طويلة، فقد وصلتنى مصادفة رسالة إلكترونية بين ساسة بريطانيين مهتمين بالشأن المصرى، يبلغون بعضهم برفع حظر الطيران الألمانى لشرم الشيخ اعتباراً من أكتوبر المقبل، فجاء رد واحد من أهم أعضاء مجلس اللوردات كالتالى:
«هذه أخبار طيبة، ويجب على المملكة المتحدة أن تحذو حذو ألمانيا، ولو اعتبرنا أن أقصى ما يتمناه أعداء السيسى هو رحيله بإضعاف اقتصاد مصر، فربما سيحاول هؤلاء الأعداء تقليل فرص عودة الرحلات البريطانية لشرم الشيخ (بأساليب مستترة)، ولذا وجب أن نبقى منتبهين لمثل تلك الأفعال ونفضحها».. انتهت الرسالة ومعها يتبين لنا أننا لسنا وحدنا المطلعين على المؤامرة التى تحاك ضد الاقتصاد المصرى والشعب المصرى..
بدأت المطارات المصرية تتأهب لاستقبال السياح أمنياً، وهذا أمر مهم، ورب ضارة نافعة، ولكن ما استعداداتنا الأخرى؟ الفنادق.. ما أسهل أن تغتسل وتعيد رونقها السابق.. وكذلك المحلات والمطاعم والبازارات.. ولكن ماذا فعلنا بالبشر؟ هل انتهزنا الفرصة لرفع كفاءة العاملين فى السياحة، أم تدهورت حالتهم ومن كان منهم مستواه جيد حصل على عقد عمل خارج مصر.. أتحدث عن كل من يعمل فى السياحة أو يتصادف وجوده وسط السائحين، بدءاً من شرطى المطار وحمّال الحقائب والسائق وصولاً لأى مواطن يحملق إلى جسد سائحة ويعتقد أنه «راجل فِتِك» ولو رأته لانهارت، وقالت: «أوه، إجيبشيان مان.. بتوع الروقان»، مع الاعتذار للفنان محمد صبحى.
لن أعدد عشرات الأمور التى كان يجب، وما زال، واجباً علينا أن نفعلها استعداداً لاستقبال أول الوفود السياحية.. رغم أن السياحة لم تتوقف فى أى لحظة، ولكن انخفضت أعدادها، وما زلنا نمارس نفس الطقوس التى تدفع السائح لعدم العودة، رغم علمنا أن من يعود لبلادنا مرة تلو الأخرى هو أفضل مكسب ودعاية مجانية.. أضف إلى البشر، أبسط الخدمات المجانية (دون بقشيش) كمطبوعات ولافتات دون أخطاء ودورات مياه آدمية وأبسط الأشياء التى تترك ذكرى طيبة أو مؤلمة لدى زوارنا..
نعم، نحن شعب مؤمن بطبعه، يؤمن برحمة الله الموصولة، ولم يخذلنا المولى، ولكن لو لم يتلازم الإيمان مع العمل فسنظل نتضرع للسماء فى دعاء متصل لأن يرسل الله علينا ما قد تستحقه قلوبنا، ولكن بالتأكيد لا تستحقه أفعالنا..