بعيداً عن مسميات الجبهات وتوصيف المواقف، للضمير دور حقيقى فى السياسة إن هى توجّهت، وفى إطار ديمقراطى، للصالح العام، وفى اختيارات ممارسى السياسة إن هم تجاوزوا مجرد البحث عن المناصب والرغبة فى البقاء بها.
يُلزم الضمير قوى الأغلبية بصون حقوق الأقلية، وبالبحث عن توافق وطنى يُترجم الصالح العام إلى اختيارات وقرارات، وبالابتعاد عن وضع قواعد غير عادلة للعملية السياسية، سواء دستورياً أو قانونياً أو فى الممارسة العملية. يُلزم الضمير قوى الأقلية بالمشاركة فى السياسة سعياً إلى تطوير قواعد عادلة وتحقيق الصالح العام، وباحترام نتائج صندوق الانتخابات حال توفر شروط وضمانات نزاهته، وبالعمل السلمى لتغيير القواعد غير العادلة للسياسة، وهو ما قد يرتبط على نحو مؤقت بالعمل خارج السياسة الرسمية بانتخاباتها ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية.
يُلزم الضمير ممارسى السياسة بتغليب الصالح العام ومصالح القطاعات الشعبية التى يمثلونها (أو يسعون لتمثيلها) على رغباتهم الشخصية والنزوع المدفوع بالمصلحة الفردية نحو المنصب والاستمرار به أو المكانة والحفاظ عليها أو بناء شبكات النفوذ وتطويرها. يُلزمهم الضمير أيضاً بإخبار الرأى العام باختياراتهم وقراراتهم ومصارحته بدوافعهم وتقديراتهم الشارحة لها، ودونما أدنى ادعاء بأن الاختيارات والقرارات المعنية هى الوحيدة الصائبة أخلاقياً أو سياسياً أو مجتمعياً. فلا حقيقة مطلقة بالسياسة ولا صواب كاملاً أو خطيئة كاملة، بل دوماً اختيارات وقرارات تحتمل تقييمات متنوعة وتنظر إليها القطاعات الشعبية على نحو متنوع وفقاً لمواقعها المجتمعية ومصالحها.
يُلزم الضمير ممارسى السياسة بالنقد الذاتى وتغيير النهج والمسار جزئياً أو كلياً حين يرون سعيهم من أجل الصالح العام وتمثيل القطاعات الشعبية يبتعد عن الفاعلية والنتائج الإيجابية. وأحيانا، وبالتحديد فى الدول والمجتمعات التى تتصف قواعد عمليتها السياسية بعدم العدالة أو التى تمر بمراحل تحوُّل شاقة، يدفع النقد الذاتى إلى تغيير النهج والمسار بشأن قضايا السياسة المركزية، كالمشاركة فى الانتخابات والسعى نحو الوجود فى البرلمان، أو مقاطعة الانتخابات والبرلمان ومحاولة تغيير القواعد غير العادلة من خارج مساحة السياسة الرسمية (الأخيرة معرفة بمجمل المؤسسات والتفاعلات المرتبطة بالانتخابات والبرلمان والحكومة والأحزاب السياسية). هذه المعانى والمضامين التى يُلزمنا بها الضمير على المستويين الجماعى (قوى الأغلبية والأقلية) والفردى (ممارسى السياسة والعمل العام)، وكذلك الكيفية التى ينبغى أن توجّه بها الاختيارات والقرارات الساعية لتحقيق الصالح العام تشكل معاً البيئة التى ستحدد بها القوى المختلفة وممارسو السياسة موقفهم من الانتخابات البرلمانية القادمة. عن نفسى، أرى قواعد العملية السياسية الدستورية والقانونية غير عادلة والتوافق الوطنى غائب، وقوى الأغلبية تسعى فى الممارسة العملية للانفراد والاستئثار عبر آليات وأدوات عدة من بينها العصف بحيادية أجهزة الدولة، وانتهاكات حقوق الإنسان والقيود على الحريات تتكرر، وكذلك الإفلات من المساءلة والمحاسبة والعقاب. والانتخابات البرلمانية، وعلى الأهمية العامة للمشاركة بها والوجود بالبرلمان والتأثير من ثم على التشريعات وتعديلات القوانين وتشكيل الحكومة وأعمال السلطة التنفيذية والرقابة عليها، لن تترجم إلا القواعد غير العادلة للسياسة وتستمر فى إقرارها (كما يفعل حالياً مجلس الشورى) ولن تُمكّن قوى الأقلية من تغييرها أو تعديلها. أحسب، وفقاً لهذه الحقائق والمعطيات ودون ادعاء احتكار الصواب الكامل، ومع إعمال الضمير، أن الاختيار والتقدير الأفضل يدفع قوى الأقلية إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية والعمل لفترة خارج مساحة السياسة الرسمية.