من يكتب التاريخ؟ ما حدود التفسير والتأويل؟ وما حدود القراءة والرؤية فى الأعمال الفنية؟.. أسئلة تفرضها الأزمة الواقعة حالياً بين مصر وفرنسا، بسبب تمثال (شامبليون) للنحات الفرنسى بارتولدى، والمعروض فى مدخل الجامعة الفرنسية فى باريس، وهو تمثال ضخم لشامبليون، واضعاً قدمه فوق رأس مقطوع لأحد الملوك الفراعنة (المرجح أنه أخناتون)!!
المصريون غاضبون بشدة، يطالبون بإزالة التمثال، واعتذار الحكومة الفرنسية، ويهدد الأثريون والفنانون بالمعاملة بالمثل، وتبادل الكراهية والعدوان، وإقامة تمثال ضخم لأحد الفراعنة، وهو يضع قدمه فوق رأس شامبليون، وفوق رأس نابليون أيضاً، ووضعه أمام السفارة الفرنسية بالقاهرة.. الغضب يمتزج بالإهانة، الإهانة للحضارة المصرية، وللتاريخ الإنسانى كله، فالتمثال على هذه الصورة، يتجاوز حدود الرؤية الفنية، وحدود التفسير والقراءة والتأويل، إلى رؤية عنصرية استعمارية، حريصة على امتلاك الحيز، والإعلان بطريقة استعلائية، أن الفرنسيين مروا من هنا، حاملين مفاتيح الحضارة، التى فك رموزها شامبليون..!! ما فعله بارتولدى أشبه بالحكاية الأفريقية القديمة، عن صورة الصياد المعلقة فوق الحائط، وفيها يطل الصياد مبتسماً بملابس الصيد، واضعاً بندقيته فوق كتفه، ورافعاً يده بعلامة النصر، بينما يضع إحدى قدميه، فوق جثة نمر مقتول.. عندما رأت النمور الصورة همست «آه لو أن النمور تعرف الرسم»..!!
الغريب أن تمثال (شامبليون) المنحوت عام 1875 هو لبارتولدى صاحب (تمثال الحرية) الموضوع حالياً فى مدخل نيويورك، وكان فى الأصل اقتراحاً مقدماً للحكومة المصرية، ليوضع فى مدخل قناة السويس، لكن الخديوى إسماعيل، اعتذر عن عدم قبوله، فى ظل الأزمة المالية وقتها، فأهدت الحكومة الفرنسية التمثال إلى أمريكا.. يعنى صاحب تمثال الحرية، هو نفسه من يهين الحضارة المصرية فى رؤية عنصرية استعمارية سافرة..! المصريون فى باريس غاضبون بشدة، كمن اكتشف التمثال للمرة الأولى، فلا أحد سمع به من قبل، حتى الخبراء المتخصصون فى الآثار الفرعونية والفنون، لم يسمعوا به من قبل، ولا أحد يتصور أن الإهانة عالقة كل هذه السنوات.. المؤسف أن التمثال ليس اكتشافاً، كان محل سؤال فى سنوات سابقة من وزارة التعليم المصرية، فيما اعتبره (د.هانى هلال) خيال فنان ليس بالإمكان محاسبته، وفى مقال قديم لأنيس منصور عام 2010 لم يزعجه حذاء شامبليون فوق رأس أخناتون (فالجزمة فى فرنسا لا تلقى الاحتقار الذى يصيبها فى مصر.. وكل هدايا عيد الميلاد توضع فى جزمة بابا نويل.. الجزمة دليل قوة لدى الفرنسيين، والمقصود من التمثال، أن شامبليون قد تمكن بقوة من معرفة كل شىء)!! أزمة التمثال تتجدد، والمصريون غاضبون، شكاوى إلى الخارجية الفرنسية، وشكاوى إلى اليونيسكو، ومطالبة للحكومة المصرية ووزير الآثار بضرورة التدخل، والضغط على الحكومة الفرنسية، لإزالة التمثال، أو منع البعثات الفرنسية من التنقيب عن الآثار المصرية.